للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثالث: المناصحة]

إن الإمام بَشَرٌ، يعتريه ما يعتري البشر من الضعف والخطأ والنسيان، ولذلك شرعت النصيحة له لتذكيره وتبيين ما قد يخفى عليه من الأمور، وهذه من حقوقه على الرعية، فعلى الرعية القيام بأدائها إليه سواء طلبها أم لا، والأدلة على هذا كثيرة منها:

١ - ما رواه مسلم في صحيحه عن تميم الداري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الدين النصيحة)). وفي رواية - قالها ثلاثًا - قلنا: لمن؟ قال: ((لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)) (١).

وهذا من الأحاديث العظيمة ومن جوامع كلمه - صلى الله عليه وسلم -، قال النووي: (وأما ما قاله جماعة من العلماء أنه أحد أرباع الإسلام، أي: أحد الأحاديث الأربعة التي تجمع أمور الإسلام فليس كما قالوا بل المدار على هذا وحده) (٢).

ومعنى النصيحة لله كما نقله النووي عن الخطابي وغيره من العلماء: (أن معناها منصرف إلى الإيمان به، ونفي الشريك عنه، وترك الإلحاد في صفاته، ووصفه بصفات الكمال، والجلال كلها، وتنزيهه سبحانه وتعالى عن جميع النقائص، والقيام بطاعته، واجتناب معصيته، والحب فيه والبغض فيه ...

وأما النصيحة لكتابه سبحانه وتعالى: فالإيمان بأنه كلام الله تعالى وتنزيله لا يشبهه شيء من كلام الخلق، ولا يقدر على مثله أحد من الخلق، ثم تعظيمه وتلاوته حق تلاوته وتحسينها والخشوع عندها.

وأما النصيحة لرسوله - صلى الله عليه وسلم - فتصديقه على الرسالة، والإيمان بجميع ما جاء به، وطاعته في أمره ونهيه، ونصرته حيًا وميتًا، ومعاداة من عاداه وموالاة من والاه، وإعظام حقه وتوقيره، وإحياء سنته وبث دعوته ونشر شريعته ...

وأما النصيحة لأئمة المسلمين: فمعاونتهم على الحق وطاعتهم فيه، وأمرهم به وتذكريهم برفق ولطف، وإعلامهم بما غفلوا عنه ولم يبلغهم من حقوق المسلمين، وترك الخروج عليهم، وتألف قلوب الناس لطاعتهم.

وأما النصيحة لعامة المسلمين وهم من عدا ولاة الأمر: فبإرشادهم إلى مصالحهم في آخرتهم ودنياهم ... وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر) (٣).

والنصيحة كما قال الخطابي: (كلمة جامعة معناها: حيازة الحظ للمنصوح له، قال: ويقال هو: من وجيز الأسماء، ومختصر الكلام، وليس في كلام العرب كلمة مفردة يستوفي بها العبارة عن هذه الكلمة) (٤).

وقال أبو عمرو بن الصلاح: (النصيحة: كلمة جامعة تتضمن قيام الناصح للمنصوح له بوجوه الخير إرادة وفعلاً) (٥).

٢ - ومنها ما رواه جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالخيف من منى فقال: ((نضر الله امرءًا سمع مقالتي فبلغها، فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يغل عليهن قلب مؤمن: إخلاص العمل لله، والنصيحة لولاة المسلمين، ولزوم جماعتهم، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم)) (٦).


(١) [١٣٢٨٢])) رواه مسلم (٥٥).
(٢) [١٣٢٨٣])) ((شرح صحيح مسلم)) للنووي (١/ ٣٧).
(٣) [١٣٢٨٤])) ((شرح صحيح مسلم)) للنووي (١/ ٣٨، ٣٩) مختصرًا.
(٤) [١٣٢٨٥])) ((شرح صحيح مسلم)) للنووي (١/ ٣٧).
(٥) [١٣٢٨٦])) ((جامع العلوم والحكم)) (ص٧٦).
(٦) [١٣٢٨٧])) رواه ابن ماجه (١٨٩)، وأحمد (٤/ ٨٠) (١٦٧٨٤)، والدارمي (١/ ٨٦) (٢٢٨)، وأبو يعلى (١٣/ ٤٠٨) (٧٤١٣)، والطبراني (٢/ ١٢٦) (١٥٤٢)، والحاكم (١/ ١٦٢). وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين قاعدة من قواعد أصحاب الروايات ولم يخرجاه، وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (١/ ١٤٤): رواه الطبراني في ((الكبير)) وأحمد وفي إسناده ابن إسحاق عن الزهري وهو مدلس وله طريق عن صالح بن كيسان عن الزهري ورجالها موثقون، وصححه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)).

<<  <  ج: ص:  >  >>