ومن وافقهم من أتباع الأئمة الأربعة وأهل الحديث إنه صفة قديمة قائمة بذات الرب تعالى: لم يزل ولا يزال لا يتعلق بقدرته ومشيئته ومع ذلك هو حروف وأصوات وسور وآيات سمعه جبريل منه وسمعه موسى بلا واسطة ويسمعه سبحانه من يشاء وإسماعه نوعان: بواسطة وبلا واسطة ومع ذلك فحروفه وكلماته لا يسبق بعضها بعضا بل هي مقترنة الباء من السين مع الميم في آن واحد ثم لم تكن معدومة في وقت من الأوقات ولا تعدم بل لم تزل قائمة بذاته سبحانه قيام صفات الحياة والسمع والبصر وجمهور العقلاء قالوا إن تصور هذا المذهب كاف في الجزم في بطلانه والبراهين العقلية والأدلة القطعية شاهدة ببطلان هذه المذاهب كلها وأنها مخالفة لصريح العقل والنقل والعجب إنها هي الدائرة بين فضلاء العالم لا يكادون يعرفون غيرها ثم ذكر رحمه الله تعالى: قول أتباع الرسل وأطال على ذلك ثم مسألة تكلم العباد بالقرآن وساق فيه كثيرا من كلام البخاري رحمه الله تعالى: في (صحيحه) وفي كتاب (خلق أفعال العباد) لأنه من أحسن الأئمة توضيحا وتفصيلا في هذه المسألة لما جرى عليه من المحنة في شأنها ثم ذكر الكلام على حروف المعجم وساق فيه أقوال الأئمة ثم ذكر اللفظية في أثناء ذلك والواقفة ثم ذكر فصلا في الكتابة له في الرق وغيره ثم فصلا في السماع ثم فصلا من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في أول من أظهر إنكار أن الله سبحانه يتكلم بصوت في أثناء المئة الثالثة ابن كلاب, وأنكر عليه ذلك أئمة الحديث كأحمد والبخاري وغيرهما, وفي غضون هذه الفصول أبحاث نفيسة لا يستغنى عنها فلتراجع منه.
ثم قال رحمه الله تعالى: فصل منشأ النزاع بين الطوائف أن الرب تعالى: هل يتكلم بمشيئته أم كلامه بغير مشيئته على قولين فقالت طائفة كلامه بغير مشيئته واختياره ثم انقسم هؤلاء أربع فرق قالت فرقة هو فيض فاض منه بواسطة العقل الفعال على نفس شريفة فتكلمت به كما يقول ابن سينا وأتباعه وينسبونه إلى أرسطو وفرقة قالت بل هو معنى قائم بذات الرب تعالى: هو به متكلم وهو قول الكلابية ومن تبعهم وانقسم هؤلاء فرقتين فرقة قالت هو معان متعددة في أنفسها أمر ونهي وخبر واستخبار ومعنى جامع لهذه الأربعة وفرقة قالت بل هو معنى واحد بالعين لا ينقسم ولا يتبعض وفرقة قالت كلامه هو هذه الحروف والأصوات خلقها خارجة عن ذاته فصار بها متكلما وهذا قول المعتزلة وهو في الأصل قول الجهمية تلقاه عنهم أهل الاعتزال فنسب إليهم وفرقة قالت يتكلم بقدرته ومشيئته كلاما قائما بذاته سبحانه كما يقوم به سائر أفعاله لكنه حادث النوع وعندهم أنه صار فاعلا بعد أن لم يكن فاعلا فقول هؤلاء في الفعل المتصل كقول أولئك في الفعل المنفصل وهذا قول الكرامية وفرقة قالت يتكلم بمشيئته وكلامه سبحانه هو الذي يتكلم به الناس كله حقه وباطله وصدقه وكذبه كما يقوله طوائف الاتحادية.
وقال أهل الحديث والسنة إنه لم يزل سبحانه متكلما إذا شاء ويتكلم بمشيئته ولم تتحدد له هذه الصفة بل كونه متكلما بمشيئته هو من لوازم ذاته المقدسة وهو بائن عن خلقه بذاته وصفاته وكلامه ليس متحدا بهم ولا حالا فيهم واختلفت الفرق هل يسمع كلام الله على الحقيقة فقالت فرقة لا يسمع كلامه على الحقيقة إنما تسمع حكايته والعبارة عنه وهذا قول الكلابية ومن تبعهم وقالت بقية الطوائف بل يسمع كلامه حقيقة ثم اختلفوا فقالت فرقة يسمعه كل أحد من الله تعالى: وهذا قول الاتحادية وقالت فرقة بل لا يسمع إلا من غيره وعندهم أن موسى لم يسمع كلام الله منه فهذا قول الجهمية والمعتزلة وقال أهل السنة والحديث يسمع كلامه سبحانه منه تارة بلا واسطة كما سمعه موسى وجبريل وغيرهما وكما يكلم عبده يوم القيامة ويكلم أهل الجنة ويكلم الأنبياء في الموقف ويسمع من المبلغ عنه كما سمع الأنبياء الوحي من جبريل تبليغا عنه وكما سمع الصحابة القرآن من رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله فسمعوا كلام الله بواسطة المبلغ وكذلك نسمع نحن بواسطة التالي فإذا قيل المسموع مخلوق أو غير مخلوق قيل إن أردت المسموع عن الله تعالى: فهو كلامه غير مخلوق وإن أردت المسموع من المبلغ ففيه تفصيل إن سألت عن الكلام المؤدى بذلك الصوت فهو غير مخلوق والذين قالوا إن الله يتكلم بصوت فرق أربعة فرقة قالت يتكلم بصوت مخلوق منفصل عنه وهم المعتزلة وفرقة قالت يتكلم بصوت قديم لم يزل ولا يزال وهم السالمية والاقترانية وفرقة قالت يتكلم بصوت حادث في ذاته بعد أن لم يكن وهم الكرامية, وقال أهل السنة والحديث: لم يزل الله تعالى: متكلما بصوت إذا شاء والذين قالوا لا يتكلم بصوت فرقتان أصحاب الفيض والقائلون إن الكلام معنى قائم بالنفس معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول لحافظ بن أحمد الحكمي – ١/ ٤٨٨