[تمهيد:]
من الأمور الهامة التي تستوقف الباحث أن أول من أظهر الطعن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من المنتسبين لهذه الأمة هم المنافقون الذين ظهرت من خلالهم فرق الابتداع والمبتدعة, وأولهم ذو الخويصرة أول الخوارج؛ الذي خرج من ضئضئه حرقوص بن زهير، وذي الثدية، وجمهور الخوارج الذين خرجوا على عثمان رضي الله عنه, ثم على علي رضي الله عنه, وقالوا بتكفيرهم، وتكفير الصحابة, ثم عبدالله بن سبأ وأتباعه السبئية الذين اتخذوا شعار التشيع؛ حيث قالت الخوارج بتكفير عثمان, وعلي, وطلحة, والزبير, وعائشة ومن عاش في زمانهم من الصحابة فاستدركت عليهم الشيعة، فتناولت أبا بكر، وعمر, وجمهور الصحابة, ولتغطية سؤتها في كراهيتهم تولت أربعة منهم فقط بجوار علي رضي الله عنه.
ثم عندما برز قرن المرجئة المبتدعة خاضوا في الأحداث التي وقعت بين الصحابة رضوان الله عليهم، مخالفين لجمهور الأمة، وقالوا بالتوقف فيهم، ثم عندما ظهرت المعتزلة على يد واصل بن عطاء، وقرينه في الضلالة عمرو بن عبيد قالوا: بتفسيق الصحابة عليهم رضوان الله، وصار مثل هؤلاء الحيارى المتهوكون يطلقون ألسنتهم العلية للطعن على خير خلق الله عز وجل, حتى أن عمرو بن عبيد كان يقول عن عبدالله بن عمر إنه حشوي (١)، ثم تعمقت خطة أعداء الأمة ببروز الجعدية، والجهمية, وغلاة الشيعة, والقرامطة, وفلاسفة المعتزلة الذين توجهوا للعقائد التي اعتقدها الصحابة بصفاء وكمال تام, فقاموا بالإنكار والطعن وإلصاق الأباطيل بهم، والزعم بأنهم كانوا لا يفهمون معاني الصفات, فقام هؤلاء المبتدعة بالتأويل والتعطيل، والنفي والتشبيه لإثارة الشكوك والبلبلة في صفوف الأمة, حتى قيض الله لهم من رد هجمتهم الظالمة التي كانت تهدف إلى تجريد معاني الألوهية من نفوس المسلمين, والعمل على سيادة منهجها الظالم عندما استخدمت المأمون, والمعتصم, والواثق, في امتحان علماء الأمة طمعاً منهم في زعزعة قداسة القرآن من نفوس المسلمين, وإعادتهم إلى الجاهلية, ولكن الله عز وجل أعز دينه بصمود علماء السلف وعلى رأسهم إمام أهل السنة الإمام أحمد رحمه الله وجزاه الله خيراً، - فعاد الخزي والعار على المعتزلة ومن شايعهم من فرق الضلال.
ومن هنا، فإن أغلب الأفكار الخاطئة التي أثيرت قديماً وحديثاً عن عقيدة الصحابة رضوان الله عليهم، فهي تنبع من هذه المستنقعات العفنة من المعتزلة, والشيعة, والخوارج, والمرجئة, والمشبهة, والقدرية, الذين انبرى لمناصرتهم فئة من الكتّاب المعاصرين تحت مسميات براقة، وكأن المغيرين تداعوا من جديد عندما شاهدوا الصحوة الإسلامية تنمو وتتلمس طريق السلف في المعتقد والسلوك, فقاموا بإشاعة أباطيل الفرق الضالة في قوالب جديدة, وأصبح الشباب المسلم في حيرة واضطراب, ولكن الله عز وجل منجز وعده وناصر دينه, بإذنه تعالى: وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ [يوسف:٢١]
وقد سبق أن تعرضت لعقيدة الصحابة في الصفات, وأنهم كانوا أعظم الناس فهماً, وسوف نعرض فيما يلي لجملة من الشبه التي أثارها أعداء الصحابة لإبطالها، وبيان زيفها، وأهداف القائلين بها، وذلك أن هؤلاء المبتدعة عندما ألجأتهم بدعهم المنحرفة لمثل هذه المقالات أرادوا تسويقها بين الناس, فقاموا بإلصاقها بالصحابة، وحاشاهم رضوان الله عليهم، أن يميلوا عن الطريق القويم الذي اختطه لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. العقيدة الإسلامية وجهود علماء السلف في تقريرها لعطاء الله بخيت المعايطة - ص: ١٩١
(١) ((منهاج السنة النبوية)) لابن تيمية (٢/ ٥٢٠).