للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المطلب السادس: الحلم (١)

الحلم والصبر وصفان متلازمان .. وحد الحلم: (ضبط النفس عند هيجان الغضب) (٢).

وقد أثنى الله على خليله إبراهيم –عليه السلام- بهذا الوصف فقال: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ [التوبة: ١١٤] كما أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على بعض أصحابه بذلك فقال لأشج عبد القيس: ((إن فيك لخصلتين يحبهما الله عز وجل الحلم والأناة)) (٣).

والمحتسب هو أحوج ما يكون إلى التحلي بهذه الخصلة الكريمة، لأنه سيواجه من الناس ما يثيره كثيراً .. فإن كان غضوباً لا يحلم فإن البلاء سيكون أعظم في حقه!! والغالب أن لا يقبل الناس أمره ونهيه؛ بل قد يحركه الشيطان لينتقم لنفسه وينتصر لها! كما أنه يحرك صاحب المنكر أيضاً لذلك! فينبغي للمحتسب أن ينزه نفسه عن ذلك كله.

ثبت عن ابن مسعود –رضي الله عنه أنه قال: ((كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي نبياً من الأنبياء ضربه قومه فأدموه وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون)) (٤).

فأنت أيها المحتسب كيف يكون جوابك وتصرفك ومقالك إذا أمرت أحداً بشيء أو نهيته عن شيء فأجابك بما يفيد امتناعه عن إجابتك لما طلبته منه؟! ولم يزد على ذلك! كيف لو شتمك؟! بل كيف لو ضربك؟!

إن الكثير من الناس لا يحتملون هذه الأحوال كلها .. فقد يقع بينهم وبين المحتسب عليه مشاتمة أو نحوها، ويكون ذلك أحياناً انتصاراً للنفس!!.

والحاصل أنه يجب على المحتسب في مثل هذه المواقف أن يحلم فيكرر النصح والتذكير .. وإن رأى أن شكايته أو غير ذلك مما يدخل تحت قدرته وتصرفه أنفع فعليه فعله، لكن لا يكون شيء من ذلك انتصاراً لنفسه.

هذا وقد يحمله الغضب على إنكار المنكر بمنكر أعظم كقتل المحتسب عليه –وهو لا يستحق ذلك- أو مهاجرته والمصلحة لا تقتضي الهجر أو غير ذلك مما قد يقع له بسبب الغضب.

عن يحيى بن مندة قال: سمعت عمي عبد الرحمن، سمعت محمد بن عبيد الله الطبراني يقول: قمت يوماً في مجلس والدك –رحمه الله- فقلت: أيها الشيخ، فينا جماعة ممن يدخل على هذا المشؤوم- أعني أبا نعيم الأشعري – فقال: أخرجوهم. فأخرجنا من المجلس فلاناً وفلاناً ثم قال: على الداخل عليهم حرج أن يدخل مجلسنا، أو يسمع منا، أو يروي عنا، فإن فعل فليس هو منا في حل.

قلت: ربما آل الأمر بالمعروف بصاحبه إلى الغضب والحدة، فيقع في الهجران المحرم، وربما أفضى إلى التكفير والسعي في الدم (٥). الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لخالد بن عثمان السبت – ص ٢٢٢


(١) انظر: ((أدب الدنيا والدين)) (ص: ٢١٥) وذكر له عشرة أسباب، وانظر: ((الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)) لابن تيمية (ص: ٢٩ - ٣١)، ((أصول الدعوة)) (ص: ١٧٦).
(٢) ((أدب الدنيا والدين)) (ص: ٢١٥).
(٣) رواه مسلم (١٧). من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(٤) رواه البخاري (٣٤٧٧)، ومسلم (١٧٩٢).
(٥) ((طبقات الحنابلة)) (٢/ ٢٨٠)، ((تفسير الرازي)) (٨/ ١٦٨)، ((معالم القربة)) (ص: ٢٢)، ((لوامع الأنوار البهية)) (٢/ ٤٢٨)، ((صفوة الآثار)) (٤/ ٢٧٢)، ((التشريع الجنائي)) (١/ ٥٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>