للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الأول: هل الإسلام هو الإيمان؟]

هل الإسلام هو الإيمان؟ وهل الإيمان هو الإسلام؟ أو غيره. فهذا مما افترقت فيه الطوائف، كافتراقهم في مسمى الإيمان.

فقالت الوعيدية: إن الإسلام هو الإيمان والعكس صحيح (١).

وقيل: الإسلام هو الكلمة أي كلمة التوحيد بالشهادتين. والإيمان هو العمل.

وهذان القولان لهما وجه صحيح يتضح عند التحقيق في معناهما.

وذهب الأشاعرة إلى أن الإيمان خصلة من خصال الإسلام، بأن كل إيمان إسلام وليس كل إسلام إيمانا (٢).

وهذا القول فيه حق وباطل .....

والقول الصواب الذي عليه أهل التحقيق القول بالتفصيل، وهو إجمالاً: الإسلام والإيمان إذا اجتمعا افترقا. وإذا افترقا اجتمعا. ومعناه: أن الإسلام والإيمان إذا اجتمعا في نص واحد من كتاب أو سنة فإن لكل واحد منهما معنى يختص به. فالإسلام: الأعمال الظاهرة ومنها الشهادتان والصلاة .. والإيمان: الأعمال الباطنة من الاعتقادات كالتوكل والخوف والمحبة والرغبة والرهبة وغيرها. وقد دل على هذا دلائل كثيرة منها اكتفاءً واختصاراً:

قوله تعالى في سورة الحجرات: قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ [الحجرات: ١٤] فاجتمعا في نص واحد، ونفى عنهم الإيمان، وأثبت لهم الإسلام؛ فدل على افتراقهما أنهم مسلمون لكن لم يبلغوا أن يكونوا مؤمنين.

وحديث جبريل عليه السلام المشهور وفيه ذكر الإسلام: بالأركان الخمسة، والإيمان: بالأصول الستة.

فإنهما اجتمعا في نص واحد، أجاب النبي صلى الله عليه وسلم لكلٍ بمعنى غير الآخر؛ فدل على افتراقهما.

وأركان الإسلام الخمسة أعمال ظاهرة، وأصول الإيمان الستة أعمال باطنة، ولا بد منهما جميعاً.

وحديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: ((أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم رهطاً وسعد جالسٌ، فترك رجلاً هو أعجبهم إليَّ، فقلت: يا رسول الله مالك عن فلان؟ فوالله إني لأراه مؤمناً. فقال: أو مسلماً مالك عن فلان، ثم غلبني ما أعلم منه، فعدت لمقالتي، فقلت: مثل ذلك وأجابني بمثله، ثم غلبني ما أعلم منه فعدت لمقالتي، وعاد صلى الله عليه وسلم ثم قال: يا سعد إني لأُعطي الرجل، وغيره أحب إليَّ منه، خشية أن يكبه الله في النار)) (٣)

ووجه الدلالة كما في دلالة آية الحجرات، بتفريقه صلى الله عليه وسلم بين المؤمن والمسلم في نص واحد، مما يدل أن لكل منهما معنى يختص به ...

ومن هنا قال الحافظ بن رجب في جامع العلوم والحكم: قال المحققون من العلماء: كل مؤمن مسلم، فإن من حقَّق الإيمان، ورسخ في قلبه، قام بأعمال الإسلام، كما قال صلى الله عليه وسلم: ((ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)) (٤) فلا يتحقق القلب بالإيمان إلا وتنبعث الجوارح بالأعمال.

وليس كل مسلم مؤمناً، فإنه قد يكون الإيمان ضعيفاً فلا يتحقق القلب به تحقيقاً تاماً، مع عمل جوارحه أعمال الإسلام فيكون مسلماً، وليس بمؤمن الإيمان التام. اهـ. (٥).


(١) كما في ((جامع العلوم والحكم)) لابن رجب (ص٢٦).
(٢) وهو قول أبي بكر الباقلاني نقله عنه بلفظه شيخ الإسلام في ((مجموع الفتاوى)) (٧/ ١٥٤) وما بعدها وقال قبله: ((فصل: قال الذين نصروا مذهب جهم في الإيمان من المتأخرين كالقاضي أبي بكر وهذا لفظه .. )).اهـ. فذكره.
(٣) رواه البخاري (٢٧)، ومسلم (١٥٠). من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.
(٤) رواه البخاري (٥٢)، ومسلم (١٥٩٩). من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه.
(٥) ((جامع العلوم والحكم)) شرح الحديث الثاني: حديث جبريل المشهور (ص٢٨)، وانظر: ((منهج الحافظ ابن رجب)) ص (٤٢٨) وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>