للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أولا: أدلة أهل السنة والجماعة على عدالة الصحابة من القرآن الكريم]

من المسلم به لدى المسلمين أن الله سبحانه وتعالى أرسل رسوله ونبيه محمداً صلى الله عليه وسلم وجعله خاتم الأنبياء، ومن ثم فقد أنزل عليه القرآن الكريم الذي يعد أساساً لدينه، ومصدراً لتعاليمه ودعوته، ووسيلة دائمة لربط الخلق بخالقهم وتوثيق علاقته بهم، وسبباً قوياً لتحقيق الربانية الصادقة في أتباعه.

وقد تكفل الله سبحانه وتعالى بحفظ هذا الكتاب: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر: ٩]، وصانه من كل تحريف أو تغيير؛ بل تولى الله تبارك وتعالى نشره وإذاعته في العالم، وجعله ميسراً جديراً بالفهم: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ [القمر: ١٧]، وهيأ الله سبحانه وتعالى الجو المناسب والفرص المواتية لقراءته وكثرة تلاوته وحفظه واستظهاره واستحضاره وبذلك كان بعيداً كل البعد عن كل تصرف بشري من حذف، أو زيادة، أو تحريف، أو تبديل.

وإذا كانت هذه المسألة من المسلمات عندنا فإنه ثمة مسلمة أخرى لا تقبل الجدل وهي: أن القرآن الكريم الذي أنزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إنما نزل ليخاطب بداءة تلك الأمة التي عاصرت الرسول الكريم في أمره ونهيه ومدحه وقدحه وغير ذلك. وإن كانت هذه الخطابات تتعدى إلى الناس أجمعين، حيث إن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما يقول الأصوليون. إلا أن المخاطب الأول هم القوم الذين عاشوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل الوحي بين ظهرانيهم مؤمنهم وكافرهم ومنافقهم، وهذا ما فهمه الصحابة الكرام رضي الله عنهم حينما كانوا يقرؤون القرآن ويتدبرون آياته ويتفهمون معانيه.

ومن خلال هاتين المسلمتين: حفظ القرآن، وصيانته، وأن خطابه موجه ابتداء إلى الأمة المعاصرة للرسول صلى الله عليه وسلم فإننا نستطيع أن نحمل بل نجزم أن كل مدح وثناء، وعد لصفات الخير، وذكر لمحاسن الرجال، إنما عني به ربنا تبارك وتعالى أولئك الرجال الذين آمنوا برسوله وعزروه ونصروه وهم الصحب الكرام الذين يمثلون الجيل الأول الذي تربى في كنف القرآن وهدي السنة المطهرة.

ومقابل ذلك فإن كل قدح وذم وعد للمساوئ وذكر لصفات السوء إنما أراد به تبارك وتعالى أولئك القوم الذين وقفوا بوجه دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم وحاربوه وآذوه، أو أولئك المنافقين الذين أبطنوا الكفر وأظهروا الإيمان ففضح الله سرائرهم وكشف نواياهم.

وعليه إن عدالة الصحابة في الكتاب لا تمثلها آيات محددة مخصوصة، إنما القرآن كله شاهد على عدالتهم واستقامتهم من حيث إنهم الأمة التي حملته ورفعت لواءه وجاهدت من أجله؛ فكل الآيات التي أثنت بالخير أو بينت طبيعة المجتمع المسلم وسبل بنائه وتكوينه أو أظهرت صفات المجاهدين وما أعد الله لهم أو بينت سمات المتقين ومآلهم، أو أبرزت محاسن المفلحين الفائزين، يمكننا أن نعدها بجملته أدلة قرآنية على تعديل الصحابة الكرام رضي الله عنهم.

ومع ذلك فإنني سأورد بعض هذه الآيات التي صرحت تصريحاً يفهمه الجميع دون شك أو ريب؛ أثنى الله فيها وعدل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم مع بيان المعنى المراد منها ليتسنى من خلاله فهم وجه الدلالة وبيانه.

فإن قيل هذه الآيات دلت على فضلهم دون التصريح بعدالتهم؟ فالجواب أن يقال: أن من أثنى الله سبحانه وتعالى عليه بهذا الثناء كيف لا يكون عدلاً؟

فإذا كان التعديل يثبت بقول اثنين من الناس، فكيف لا تثبت العدالة بهذا الثناء العظيم من الله سبحانه وتعالى، ومن رسوله صلى الله عليه وسلم (١)؟


(١) ينظر: ((شرح الكوكب المنير)) لابن النجار (٢/ ٤٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>