للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مرتبة التكلم والخبر]

وأما مرتبة التكلم والخبر فمن تكلم بشيء وأخبر به فقد شهد به وإن لم يتلفظ بالشهادة قال تعالى: قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا فإن شهدوا فلا تشهد معهم [الأنعام:١٥٠] وقال تعالى: وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ [الزخرف:١٩] فجعل ذلك منهم شهادة وإن لم يتلفظوا بلفظ الشهادة ولم يؤدوها عند غيرهم قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((عدلت شهادة الزور الإشراك بالله)) (١). وشهادة الزور هي قول الزور كما قال تعالى: ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ [الحج:٣٠] وسمى الله تعالى إقرار العبد على نفسه شهادة قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ [النساء:١٣٥] فشهادة المرء على نفسه هي إقراره على نفسه وفي الحديث الصحيح في قصة ماعز الأسلمي: ((فلما شهد على نفسه أربع مرات رجمه رسول الله)) (٢) وقال تعالى: قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ [الأنعام:١٣٠] وهذا وأضعافه يدل على أن الشاهد عند الحاكم وغيره لا يشترط في قبول شهادته أن يتلفظ بلفظ الشهادة كما هو مذهب مالك وأهل المدينة وظاهر كلام أحمد ولا يعرف عن أحد من الصحابة والتابعين اشتراط ذلك وقد قال ابن عباس: ((شهد عندي رجال مرضيون وأرضاهم عندي عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب)) (٣) ومعلوم أنهم لم يتلفظوا بلفظ الشهادة والعشرة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة لم يتلفظ في شهادته لهم بلفظ الشهادة بل قال: ((أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة)) (٤) الحديث وأجمع المسلمون على أن الكافر إذا قال لا إله إلا الله محمد رسول الله فقد دخل في الإسلام وشهد شهادة الحق ولم يتوقف إسلامه على لفظ الشهادة وأنه قد دخل في قوله: ((حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله)) (٥) وفي لفظ آخر ((حتى يقولوا لا إله إلا الله)) (٦) فدل على أن مجرد قولهم لا إله إلا الله شهادة منهم وهذا أكثر من أن تذكر شواهده من الكتاب والسنة فليس مع من اشترط لفظ الشهادة دليل يعتمد عليه والله أعلم مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين لمحمد بن عبدالله بن القيم - ٣/ ٤٥١


(١) رواه أبو داود (٣٥٩٩)، والترمذي (٢٢٩٩)، وابن ماجه (٢٣٧٢). وقال الترمذي: غريب ولا نعرف لأيمن سماعا من النبي وقد اختلفوا في رواية الحديث عن سفيان بن زياد. وقال ابن القطان في ((الوهم والإيهام)) (٤/ ٥٤٨): لايصح. وقال ابن الملقن في ((خلاصة البدر المنير)) (٢/ ٤٣١): إسناده ضعيف وله طريق آخر فيه مقال. وقال الزيلعي في ((تخريج الكشاف)) (٢/ ٣٨٣): -فيه- زياد العصفري قال ابن القطان مجهول.
(٢) رواه البخاري (٥٢٧١) ومسلم (١٦٩١).
(٣) رواه البخاري (٥٨١).
(٤) رواه أبو داود (٤٦٤٩)، والترمذي (٣٧٤٨)، وابن ماجه (١٣٣)، وأحمد (١/ ١٨٧) (١٦٢٩). من حديث سعيد بن زيد رضي الله عنه. والحديث سكت عنه أبو داود. وحسنه ابن حجر في ((هداية الرواة)) (٥/ ٤٣٦) - وذلك كما أشار في مقدمته -. وقال أحمد شاكر في ((مسند أحمد)) (٣/ ١١٢): إسناده صحيح. وقال الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)): صحيح.
(٥) رواه البخاري (٢٥)، ومسلم (٢٢). من حديث ابن عمر رضي الله عنه.
(٦) رواه البخاري (١٣٩٩)، ومسلم (٢٠). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>