للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المثال الثاني: التشريك بين الله تعالى وبين أحد من خلقه بـ (الواو)]

ومن الشرك الأصغر قول ما شاء الله وشئت، كما روى النسائي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ما شاء الله وشئت، فقال: ((أجعلتني لله نداً؟ ما شاء الله وحده)) (١). ولأبي داود بسند صحيح عن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء فلان)) (٢). وتقدم في ذلك حديث قتيلة، والفرق بين الواو وثم أنه إذا عطف بالواو كان مضاهياً مشيئة الله بمشيئة العبد إذ قرن بينهما، وإذا عطف بثم فقد جعل مشيئة العبد تابعة لمشيئة الله عز وجل كما قال تعالى: وَمَا تَشَاؤُونَ إِلا أَن يَشَاء اللَّهُ [الإنسان: ٣٠] ومثله قول: لولا الله وفلان هذا من الشرك الأصغر، ويجوز أن يقول: لولا الله ثم فلان، ذكره إبراهيم النخعي. ولابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله عز وجل: فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة: ٢٢] قال: الأندادُ هو الشرك أخفى من دبيب النمل على صفاة سوداء في ظلمة الليل وهو أن يقول والله وحياتك يا فلان وحياتي ويقول لولا كلبة هذا لأتانا اللصوص البارحة، ولولا البط في الدار لأتى اللصوص، وقول الرجل لصاحبه ما شاء الله وشئت، وقول الرجل لولا الله وفلان، لا تجعل فيها فلاناً، هذا كله به شرك (٢٢٦). معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول لحافظ بن أحمد الحكمي – ص ٦١٥

عن قتيلة: ((أن يهودياً أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إنكم تشركون، تقولون ما شاء الله وشئت، وتقولون: والكعبة. فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا: ورب الكعبة، وأن يقولوا: ما شاء الله ثم شئت)). رواه النسائي وصححه (٣)

قوله: (أن يهودياً) اليهودي: هو المنتسب إلى شريعة موسى عليه السلام، وسموا بذلك من قوله تعالى: إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ، أي: رجعنا، أو لأن جدهم اسمه يهوذا بن يعقوب، فتكون التسمية من أجل النسب، وفي الأول تكون التسمية من أجل العمل، ولا يبعد أن تكون من الاثنين جميعاً.

قوله: (إنكم تشركون). أي: تقعون في الشرك أيها المسلمون.

قوله: (ما شاء الله وشئت). الشرك هنا أنه جعل المعطوف مساوياً للمعطوف عليه، وهو الله عز وجل حيث كان العطف بالواو المفيدة للتسوية.

قوله: " والكعبة ". الشرك هنا أنه حلف بغير الله، ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم ما قال اليهودي، بل أمر بتصحيح هذا الكلام، فأمرهم إذا حلفوا أن يقولوا: ورب الكعبة، فيكون القسم بالله.


(١) رواه أحمد (١/ ٢١٤) (١٨٣٩) والبخاري في ((الأدب المفرد)) (١/ ٢٩٠) والنسائي في ((السنن الكبرى)) (٦/ ٢٤٥) , قال العراقي في ((تخريج الإحياء)) (٣/ ٢٠٠): إسناده صحيح, وقال أحمد شاكر في ((مسند أحمد)) (٣/ ٢٥٣): إسناده صحيح, وصححه الألباني في ((صحيح الأدب المفرد)) (٦٠١).
(٢) رواه أبو داود (٤٩٨٠) وأحمد (٥/ ٣٨٤) (٢٣٣١٣) والنسائي في ((السنن الكبرى)) (٣/ ٢١٦) وابن أبي شيبة في ((المصنف)) (٥/ ٣٤٠) الحديث سكت عنه أبو داود, وقال الذهبي في ((المهذب)) (٣/ ١١٤٤):إسناده صالح, وقال النووي في ((الأذكار)) (٤٤٤): إسناده صحيح, وصححه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)).
(٣) رواه النسائي (٧/ ٦) قال ابن حجر في ((الإصابة)) (٤/ ٣٨٩): إسناده صحيح, وقال البخاري في ((العلل الكبير)) (٢٥٣) [روى] منصور: عن عبد الله بن يسار، عن حذيفة حديث منصور أشبه عندي وأصح, وصححه الألباني في ((صحيح سنن النسائي)).

<<  <  ج: ص:  >  >>