للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[واحد وعشرون: الآثار الإيمانية لاسم الله الخافض الرافع]

أن المؤمن عندما يدرك اتصافه تعالى بالخفض والرفع يوقن أن الله تعالى يرفع أولياءه بالطاعة فيعلي مراتبهم وينصرهم على أعدائه ويجعل العاقبة لهم كما أنه يخفض الجبارين ويذل الفراعنة المتكبرين. فهو الذي يرفع أولياءه في الدنيا والآخرة وذلك بما وفقهم إليه من طاعته وامتثال أمره ونهيه والعمل بمقتضى شرعه واتباع ما جاء به نبيه صلى الله عليه وسلم، فإذا فعلوا ذلك كانت لهم الرفعة والسؤدد على سائر الناس، وكانوا شامة بين الأمم وهداة إلى الحق على المحجة البيضاء التي من وافقها كانت له الرفعة والعلو، ومن خالفها وزاغ عنها فليس له إلا الخفض والذل والصغار في الدنيا والآخرة، وكان مصيره مصير أولئك الكفرة الجبابرة والفراعنة المتكبرين ومصيرهم أن يحشروا يوم القيامة في صورة الذر حتى تطأهم الخلائق بأقدامها (١).

وليس المرفوع قدراً، والمعلى شأناً وأمراً، والمستحق مجداً وفخراً من رفع الطين على الطين وتكبر على المساكين وتجبر على أشكاله بكثرة ماله، واستقامة أحواله، وإنما المشرف شأنا والمعلى رتبة ومكاناً من رفعه الله بتوفيقه، وأيده لتصديقه، وهداه إلى طريقته، صفى قلبه وخلى له وجهه وصعد إلى السماء أنينه، وصدق إلى الله شوقه وحنينه، وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((رب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره)) (٢). واعلم أن المخفوض حقاً من تنكبه التوفيق والنصرة وأدركه الخذلان والفترة، ويصبح في حسرة. فعلى هذا: الرفع والخفض أمارتان للجزاء، فمن فتحت لروحه أبواب السماء فرفع واستبشر ومن نكس إلى أسفل أبعد وآيس، وبحسب ذلك الأعمال بشارات ونذارات (٣). ومن مقتضى الإيمان بهذين الاسمين كذلك أن يوصل أحدهما في الذكر بالآخر؛ لأن الأسماء المزدوجة تجري الأسماء منها مجرى الاسم الواحد الذي يمتنع فصل بعض حروفه عن بعض، فهي وإن تعددت جارية مجرى الاسم الواحد ولذلك لم تجئ مفردة ولم تطلق عليه إلا مقترنة (٤). منهج الإمام ابن قيم الجوزية في شرح أسماء الله الحسنى لمشرف بن علي بن عبد الله الحمراني الغامدي – ص: ٤٢٦


(١) ((مدارج السالكين)) (٢/ ١٣٠) بتصرف.
(٢) رواه مسلم (٢٦٢٢) بدون لفظة: ((أغبر)). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٣) ((الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى)) للقرطبي (١/ ٣٩٨).
(٤) ((بدائع الفوائد)) (١/ ١٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>