للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثاني: عقيدة التوحيد في دعوة الرسل عامة]

إذا تأملنا قصص المرسلين التي وردت في القرآن الكريم، وما حدث لهم مع أممهم، نجد أنهم اتفقوا جميعاً على دعوة واحدة، هي الدعوة إلى عبادة الله وحده لا شريك له، واجتناب الشرك، وإن اختلفت شرائعهم (١).

بل إن مسألة الدعوة إلى التوحيد والتحذير من الشرك ووسائله هي القضية الأولى التي جاء ذكرها في القرآن الكريم بين الرسل وأممهم، قال الله –تعالى- مخبراً عما أرسل به جميع الرسل: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء: ٢٥].

وقال –تعالى-: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ [النحل: ٣٦].

وقال تعالى: يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ [النحل: ٢].

وإذن: فجميع الرسل كان أول وأهم ما دعوا إليه هو التوحيد، توحيد الله بالعبادة وتقواه وطاعته وطاعة رسله. وكما ذكر الله عنهم ذلك على سبيل التعميم، فقد ذكر ذلك عن بعضهم على التفصيل:

فنوح، عليه السلام، قال لقومه:

يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف: ٥٩].

وكذلك هود، عليه السلام، قال لقومه: يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف: ٦٥].

وصالح، عليه السلام، قال لقومه: يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف: ٧٣].

وإبراهيم، عليه السلام، قال لقومه: اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ [العنكبوت: ١٦].

فالدعوة إلى التوحيد، والتحذير من الشرك، وصحة العقيدة وسلامتها هما الأصل الأول في دعوة المرسلين، من لدن نوح إلى محمد، عليهم السلام، وهذا هو الغاية الأولى التي بها تصلح كل شئون الدنيا والدين، فإذا صحت العقيدة أذعن الناس لله وحده وأطاعوا رسله واستقاموا على شرعه على هدى وبصيرة، ومن ثم يصلح كل شيء من أمورهم الدينية والدنيوية.

وهذا لا يعني أن الرسل لم يهتموا بإصلاح المفاسد الأخرى، ولا أنهم لم يدعوا إلى الفضائل الأخرى، بل جاءوا بشرائع ومناهج تسير عليها الأمم وتصلح شئون حياتها الدنيا، وأمروا بالمعروف والإصلاح والعدل، ونهوا عن المنكر والفساد والظلم، وأمروا بكل خير وفضيلة، ونهوا عن كل شر ورذيلة تفصيلاً وإجمالاً.

لكن أعظم الفضائل توحيد الله – تعالى – وتقواه، وأعظم المفاسد الشرك بالله، وهو الظلم العظيم. فكان ذلك أعظم أول ما أرسل الله به الرسل.

وهكذا كل دعوة لا تقوم على هذا الأساس – في أي زمان وأي مكان – فإنها دعوة قاصرة وناقصة، ويخشى أن يكون نصيبها إما الفشل، وإما الانحراف عن الصراط المستقيم، أو هما معاً، لأن هذا أصل عظيم من أصول الدين متى غفلت عنه الأمم وقعت في كارثة الشرك والابتداع، نسأل الله السلامة والعافية من ذلك. مباحث في عقيدة أهل السنة والجماعة لناصر العقل – ص: ٢٢


(١) انظر: ((تطهير الاعتقاد)) للصنعاني (ص: ٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>