للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الأول: من أدلة تفاضل صفات الله]

معنى تفاضل صفات الله كون بعض الصفات أفضل من بعض لوجه من وجوه الفضل، ومن أدلة تفاضل الصفات: قوله صلى الله عليه وسلم: ((لما قضى الله الخلق كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش، إن رحمتي غلبت غضبي)) (١)

. وفي رواية: ((سبقت غضبي)) (٢). قال ابن تيمية رحمه الله: (وصف رحمته بأنها تغلب وتسبق غضبه، وهذا يدل على فضل رحمته على غضبه من جهة سبقها وغلبتها) (٣).

وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في سجوده: ((اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك. وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك)) (٤)، فكان يستعيذ من صفة السخط بصفة الرضا، ومن عقوبة الله بمعافاته، وبه سبحانه منه، قال ابن تيمية رحمه الله: (ومعلوم أن المستعاذ به أفضل من المستعاذ منه) (٥).

وأما قوله: ((أعوذ بك منك))، فمعناه والله أعلم، الاستعاذة بكل صفة مرغوب فيها من صفات الله من كل صفة مرهوب منها من صفات الله، فيكون دليلاً جامعاً يدل على تفاضل صفات الله المستعاذ بها والمستعاذ منها جميعها، وقد قال ابن تيمية رحمه الله: (وأما استعاذته به منه فلابد أن يكون باعتبار جهتين: يستعيذ به باعتبار تلك الجهة، ومنه باعتبار تلك الجهة، ليتغاير المستعاذ به والمستعاذ منه إذ أن المستعاذ منه مخوف مرهوب منه، والمستعاذ به مدعو مستجار به ملتجأ إليه، والجهة الواحدة لا تكون مطلوبة مهروباً منها، لكن باعتبار جهتين تصح) (٦). والجهتان متعلقتان بصفاته ولا ريب، وشبه رحمه الله قوله: ((أعوذ بك منك)) بقوله في حديث البراء في الدعاء عند النوم: ((لا منجا ولا ملجأ منك إلا إليك)) (٧). وقال رحمه الله: (ومعلوم أن جهة كونه منجياً غير جهة كونه منجياً منه، وكذلك جهة كونه ملتجأ إليه غير كونه ملتجأ منه، سواء قيل إن ذلك يتعلق بمفعولاته, أو أفعاله القائمة به, أو صفاته, أو بذاته باعتبارين) (٨).

ثم إن كل دليل على تفاضل أسماء الله دليل على تفاضل صفاته لأن أسماء الله أسماء وأوصاف. مباحث المفاضلة في العقيدة لمحمد بن عبدالرحمن الشظيفي – ص ٧٨


(١) رواه البخاري (٣١٩٤) واللفظ له، ومسلم (٢٧٥١). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٢) رواه البخاري (٧٤٢٢) واللفظ له، ومسلم (٢٧٥١). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٣) ((جواب أهل العلم والإيمان)) (٨٩).
(٤) رواه مسلم (٤٨٦).
(٥) ((جواب أهل العلم والإيمان)) (٩٠).
(٦) ((جواب أهل العلم والإيمان)) (٩٠).
(٧) رواه البخاري (٢٤٧)، ومسلم (٢٧١٠). من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه.
(٨) ((جواب أهل العلم والإيمان)) (٩١).

<<  <  ج: ص:  >  >>