[المطلب الثاني: حكم تعميم دلالة النص على الاسم والصفة والذات]
دلالة النصوص نوعان حقيقة وإضافية فالحقيقة تابعة لقصد المتكلم وإرادته وهذه الدلالة لا تختلف والإضافية تابعة لفهم السامع وإدراكه وجودة فكره وقريحته وصفاء ذهنه ومعرفته بالألفاظ ومراتبها وهذه الدلالة تختلف اختلافا متباينا بحسب تباين السامعين في ذلك وقد كان أبو هريرة وعبد الله بن عمر أحفظ الصحابة للحديث وأكثرهم رواية له وكان الصديق وعمر وعلي وابن مسعود وزيد بن ثابت أفقه منهما بل عبد الله بن عباس أيضا أفقه منهما ومن عبد الله بن عمر وقد أنكر النبي صلى الله عليه وسلم - على عمر فهمه إتيان البيت الحرام عام الحديبية من إطلاق قوله إنك ستأتيه وتطوف به فإنه لا دلالة في هذا اللفظ في تعيين العام الذي يأتونه فيه وأنكر على عدي بن حاتم فهمه من الخيط الأبيض والخيط الأسود نفس العقالين وأنكر على من فهم من قوله لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة خردلة من كبر شمول لفظه لحسن الثوب وحسن النعل وأخبرهم أنه بطر الحق وغمط الناس وأنكر على من فهم من قوله من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه أنه كراهة الموت وأخبرهم أن هذا للكافر إذا احتضر وبشر بالعذاب فإنه حينئذ يكره لقاء الله والله يكره لقاءه وأن المؤمن إذا احتضر وبشر بكرامة الله أحب لقاء الله وأحب الله لقاءه وأنكر على عائشة إذ فهمت من قوله تعالى فسوف يحاسب حسابا يسيرا معارضته لقوله صلى الله عليه وسلم من نوقش الحساب عذب وبين لها أن الحساب اليسير هو العرض أي حساب العرض لا حساب المناقشة وأنكر على من فهم من قوله تعالى من يعمل سوءا يجز به أن هذا الجزاء إنما هو في الآخرة وأنه لا يسلم أحد من عمل السوء وبين أن هذا الجزاء قد يكون في الدنيا بالهم والحزن والمرض والنصب وغير ذلك من مصائبها وليس في اللفظ تقييد الجزاء بيوم القيامة وأنكر على من فهم من قوله تعالى الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون أنه ظلم النفس بالمعاصي وبين أنه الشرك وذكر قول لقمان لابنه إن الشرك لظلم عظيم مع أن سياق اللفظ عند إعطائه حقه من التأمل يبين ذلك فإن الله سبحانه لم يقل ولم يظلموا أنفسهم، بل قال: ولم يلبسوا إيمانهم بظلم [الأنعام:٨٢] إعلام الموقعين عن رب العالمين لمحمد بن أبي بكرابن قيم الجوزية - ١/ ٣٥٠