للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الأول: مذهب المكذبين بالقدر]

ذهب بعض الضالين في هذا الباب إلى نفي القدر، وزعموا أن الله – تعالى عما يقولون – لا يعلم بالأشياء قبل حصولها، ولم يتقدم علمه بها، وقالوا: إنما يعلم الله بالموجودات بعد خلقها وإيجادها. وزعم هؤلاء كذباً وزوراً أن الله إذا أمر العباد ونهاهم لا يعلم من يطيعه منهم ممن يعصيه، ولا يعلم من يدخل الجنة ممن يدخل النار، حتى إذا استجاب العباد لشرعه أو رفضوا – علم السعداء منهم والأشقياء، ويرفض هؤلاء الضلال الإيمان بعلم الله المتقدم، كما يكذبون بأن الله كتب مقادير الخلائق قبل خلق السماوات والأرض، كما ثبت في الكتاب والسنة. وقد نشأ القول بهذا في آخر عهد الصحابة، فأول من قال به معبد الجهني، ثم تقلد عنه هذا المذهب الفاسد رؤوس المعتزلة وأئمتهم كواصل بن عطاء الغزال، وعمرو بين عبيد، ورويت عنهم في هذا أقوال شنيعة فيها تكذيب لله ولرسوله في أن الله علم الأشياء وكتبها قبل خلقها. وقد خشي الرسول صلى الله عليه وسلم على أمته هذا الضلال الذي وقعت فيه هذه الفرقة، ففي الحديث الصحيح الذي يرويه ابن عساكر عن أبي محجن وابن عبد البر في (الجامع) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أخاف على أمتي من بعدي ثلاثاً: حيف الأئمة، وإيماناً بالنجوم، وتكذيباً بالقدر)) (١).

وروى أبو يعلى في (مسنده) والخطيب في (التاريخ) وابن عَدِيّ في (الكامل) بإسناد صحيح عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أخاف على أمتي من بعدي خصلتين: تكذيباً بالقدر، وتصديقاً بالنجوم)) (٢)

وحذر الرسول صلى الله عليه وسلم أمته من هذا الضلال، ففي الحديث الذي يرويه الطبراني في (معجمه الأوسط)، والحاكم في (مستدركه) عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه قال: ((أُخِّر الكلام في القدر لشرار أمتي)) (٣)


(١) رواه ابن عبد البر في ((جامع بيان العلم وفضله)) (٩٤٠)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (٥٨/ ٤٠١). وقال الألباني في ((السلسلة الصحيحة)) (١١٢٧): الحديث له شواهد كثيرة يرتقي بها إلى درجة الصحة.
(٢) رواه أبو يعلى (٧/ ١٦٢)، وابن عدي في ((الكامل في الضعفاء)) (٤/ ٣٤). قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (٧/ ٢٠٣): رواه أبو يعلى مقتصراً على اثنتين من الخمس، وفيه يزيد الرقاشي وهو ضعيف ووثقه ابن عدى. وقال الألباني في ((صحيح الجامع)) (٢١٥): صحيح.
(٣) رواه الطبراني (٦/ ٩٦)، والحاكم (٢/ ٥١٤). وقال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه. وقال الألباني في ((صحيح الجامع)) (١١٢٤): حسن.

<<  <  ج: ص:  >  >>