للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثاني: إنكار الوعد أو الوعيد أو الاستهزاء به]

الوعد في أصل لغة العرب يستعمل في الخير والشر، ويعدّى بنفسه وبالباء، يقال: وعدته خيراً. ووعدته شراً، فإذا أسقطوا الخير والشر قالوا في الخير: الوعد والعدة، وفي الشر: الإيعاد والوعيد، مع العلم أن الوعيد لا يكون إلا بالشر (١).

وقد حوى القرآن الكريم على وعد ووعيد، فالوعد يكون بالمغفرة والرضوان، والتكريم ودخول الجنان ونحو ذلك من أنواع الثواب، والوعيد يكون إما بلعنة أو غضب أو دخول نار ... وغير ذلك من أنواع العقاب.

قال الله تعالى: وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ [التوبة:٦٨].

وقال سبحانه: وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ [التوبة:٧٢].

وقال تبارك وتعالى: إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا [التوبة:١١١].

وقال سبحانه: فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ [ق:٤٥].

ومما أنعم الله تعالى به على عباده، أنه سبحانه قد أخبر أن من وعده على عملٍ صالحٍ فهو منجز له، فلا يخلف الله وعده تكرماً وتفضلاً، قال الله تعالى: لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ [الروم:٦].

وقال سبحانه وتعالى: وَنَتَجاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ [الأحقاف:١٦].

وأما الوعيد في حقّ عصاة المؤمنين فهو تحت مشيئة الله تعالى، فقد يقع هذا الوعيد جزاءً وعدلاً، وقد يختلف هذا الوعيد في حقّ بعض العصاة لانتفاء شرط أو وجود مانع ...

كما جاء في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من وعده الله على عمل ثواباً، فهو منجز له، ومن وعده على عمل عقاباً فهو فيه بالخيار)) (٢).

وقد جاء عمرو بن عبيد المعتزلي إلى أبي عمرو بن العلاء فقال: يا أبا عمرو. ويخلف الله ما وعده؟ قال: لا، قال: أفرأيت من أوعده الله على عملٍ عقاباً، أيخلف الله وعده فيه؟ فقال أبو عمرو بن العلاء: من العجمة أتيت يا أبا عثمان، إن الوعد غير الوعيد، إن العرب لا تعد عاراً ولا خلفاً أن تعد شراً، ثم لا تفعله، ترى ذلك كرماً وفضلاً، وإنما الخلف أن تعد خيراً ثم لا تفعله. قال: فأوجدني هذا في كلام العرب؟ قال: نعم، أما سمعت إلى قول الأول (٣):

وإني وإن أوعدته أو وعدته ... لمخلفُ إيعادي ومنجزُ موعدي


(١) انظر: ((المفردات)) للأصفهاني (ص٨٢٦)، و ((لسان العرب)) (٣٠/ ٤٦٣)، و ((معجم مقاييس اللغة)) (٦/ ١٢٥)، و ((المصباح المنير)) (ص٨٣٠، ٨٣١)، و ((مختار الصحاح)) (ص٧٢٨).
(٢) رواه أبو يعلى (٦/ ٦٦)، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (٨/ ٢٤٠)، وابن أبي عاصم في السنة (٩٦٠)، وقوّام السنة الأصفهاني في ((الحجة)) (٢/ ٧١). قال البوصيري في ((إتحاف المهرة)) (٧/ ١٣٦): رواه أبو يعلى والبزار، ومدار إسناديهما على سهيل بن أبي حزم، وهو ضعيف. وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (١٠/ ٢١٤): رواه أبو يعلى والطبراني في الأوسط، وفيه: سهيل بن أبى حزم وقد وُثِّقَ على ضعفه، وبقيّة رجاله رجال الصحيح. وقال الألباني في ((السلسلة الصحيحة)) (٢٤٦٣): والحديث مع ضعف سنده فهو ثابت المتن عندي.
(٣) البيت لعامر بن الطفيل. انظر: ((لسان العرب)) (٣/ ٣٦٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>