للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال يحيى بن معاذ: الوعد والوعيد حقّ، فالوعد حقّ العباد على الله، ضمن لهم إذا فعلوا كذا أن يعطيهم كذا، ومن أولى بالوفاء من الله، والوعيد حقّه على العباد، قال: لا تفعلوا كذا فأعذبكم، ففعلوا، فإن شاء عفا، وإن شاء أخذ لأنه حقه، وأولاهما بربنا تبارك وتعالى العفو والكرم إنه غفور رحيم (١).

وعندما نتحدث عن الواجب تجاه نصوص الوعد والوعيد، فهو الإيمان بجميع تلك النصوص، والتسليم لها، وإجلالها وتعظيمها، فنؤمن بالله تعالى، وما جاء عن الله، على مراد الله تعالى، ونؤمن برسول الله، وما جاء عن الرسول، على مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

يقول ابن تيمية: لا ريب أن الكتاب والسنة فيهما وعد ووعيد، وقد قال الله تعالى إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا [النساء:١٠].

وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا [النساء:٢٩ - ٣٠]، ومثل هذا كثير في الكتاب والسنة، والعبد عليه أن يصدق بهذا وهذا ... (٢).

ويقول أيضاً: ينبغي للمسلم أن يقدر كلام الله ورسوله، فجميع ما قاله الله ورسوله يجب الإيمان به، فليس لنا أن نؤمن ببعض الكتاب، ونكفر ببعض، وليس الاعتناء بمراده في أحد النصين دون الآخر بأولى من العكس، فإذا كان النص الذي وافقه يعتقد أنه اتبع فيه مراد الرسول، فكذلك النص الآخر الذي تأوله، فيكون أصل مقصوده معرفة ما أراده الرسول بكلامه (٣).

وقد التزم سلف الأمة بهذا التسليم والتعظيم لنصوص الوعد والوعيد؛ فهذا رجل يقول للزهري: يا أبا بكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس منا من لطم الخدود)) (٤)، ((وليس منا من لم يوقر كبيرنا)) (٥) وما أشبه هذا الحديث؟

فأطرق الزهري ساعة، ثم رفع رأسه، فقال: من الله عز وجل العلم، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التسليم (٦).

ولما ذكر عبدالله بن المبارك حديث: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن)) (٧)؛ فقال فيه قائل: ما هذا؟ على معنى الإنكار، فغضب ابن المبارك وقال: يمنعنا هؤلاء الأنان - أي: كثيرو التشكي والكلام - أن نحدّث بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، أكلّما جهلنا معنى حديث تركناه! لا بل نرويه كما سمعنا ونلزم الجهل أنفسنا (٨).

يقول إسماعيل الأصبهاني: أجمع أهل الإسلام متقدموهم ومتأخروهم على رواية الأحاديث في صفات الله، وفي مسائل القدر، والرؤية، وأصل الإيمان والشفاعة، والحوض، وإخراج الموحدين المذنبين من النار، وفي صفة الجنة والنار، وفي الترغيب والترهيب، والوعد والوعيد ... (٩).


(١) انظر: ((الحجة في بيان المحجة)) (٢/ ٧٤).
(٢) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (٨/ ٢٧٠).
(٣) ((الإيمان)) (ص٣٣، ٣٤) باختصار.
(٤) رواه البخاري (١٢٩٤). من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه.
(٥) رواه الترمذي (١٩١٩). من حديث أنس بن مالك. وقال فيه: هذا حديث غريب، ورواه أحمد (٢/ ٢٠٧) (٦٩٣٥). من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص. والحديث صححه الألباني في ((السلسلة الصحيحة)) (٢١٩٦).
(٦) ((السنة)) للخلال (٣/ ٥٧٩).
(٧) رواه البخاري (٢٤٧٥)، ومسلم (٥٧). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٨) ((تعظيم قدر الصلاة)) للمروزي (١/ ٥٠٤ - ٥٠٥).
(٩) ((الحجة في بيان المحجة)) (٢/ ٢١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>