للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الرابع: عقد الإسلام، وبم يثبت؟]

المقصود بعقد الإسلام هو أصل الدين، أي القدر الشرعي الذي متى ما التزمه المكلف نجا به من الكفر، وكذلك نجا به من الخلود في النار إذا مات على ذلك. فبه يصير الكافر مسلماً، والعدو ولياً، والمباح دمه وماله معصوم الدم والمال. كما يترتب على الإقرار بهذا الأصل الدخول في مسمى أهل القبلة، واستحقاق ما لهم من حقوق، ووجوب ما عليهم من واجبات.

وفائدة هذا المبحث وثمرته هي: الوقوف على ما يتحقق به أصل الإسلام، ومن يحكم له به، وهل يعذر أحد بجهل بعض أركانه أو بعدم الالتزام بها؟ ومن ثمة يكون هذا m المبحث من الأصول اللازمة لدراسة حكم الجهل بمسائل الاعتقاد على التفصيل.

ويتحقق أصل الدين بالإقرار المجمل بكل ما صح به الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم تصديقاً وانقياداً. وهذا المعنى تعبر عنه الشهادتان؛ ولهذا جعلهما الله تبارك وتعالى باب الدخول إلى الإسلام، وجعل النطق بهما هو مناط عصمة الدماء والأموال والأعراض.

ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله. فمن قال: لا إله إلا الله، عصم مني ماله ونفسه إلا بحقها، وحسابه على الله عز وجل)) (١). وفي رواية: (( ... حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، ويؤمنوا بي وبما جئت به)) (٢). وفي رواية له أيضا من حديث أبي مالك الأشجعي عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من قال: لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله، حرم الله دمه وماله، وحسابه على الله عز وجل)) (٣).

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: (ومن المعلوم بالضرورة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل من كل من جاءه يريد الدخول في الإسلام الشهادتين فقط، ويعصم دمه بذلك، ويجعله مسلما. فقد أنكر على أسامه بن زيد قتله لمن قال: لا إله إلا الله لما رفع عليه السيف، واشتد نكيره عليه. ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يشترط على من جاءه يريد الإسلام، أن يلتزم الصلاة والزكاة) (٤).

فالشهادة لله بالوحدانية تعني الإقرار المجمل بالتوحيد، والبراءة المطلقة من الشرك، والشهادة لمحمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة تعني الإقرار المجمل بكل ما جاء به صلى الله عليه وسلم من عند الله تصديقا وانقيادا.

وهذا كان منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبول من كان يأتيه من الكفار يريد الإسلام، كما جاء في الأحاديث المتقدمة، وكما جاء في كلام الحافظ ابن رجب رحمه الله، وهكذا كان أمره لرسله إلى القبائل والملوك وأهل الكتاب، وكذلك إذا بعث السرايا أن يدعوا إلى توحيد الله ويقاتلوا عليه.

عن أبي معبد مولى ابن عباس قال: سمعت ابن عباس يقول: ((لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذ إلى نحو أهل اليمن، قال له: إنك تقدم على قوم من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إلى عبادة الله ... )) (٥) الحديث؛ وفي رواية: ((ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله)) (٦).


(١) رواه البخاري (٢٩٤٦)، ورواه مسلم (٢١).
(٢) رواه مسلم (٢١).
(٣) رواه مسلم (٢٣).
(٤) ((جامع العلوم والحكم)) (ص: ٨٣). ط١، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت ١٤٠٨هـ.
(٥) رواه البخاري (١٤٥٨)، ومسلم (١٩).
(٦) رواه البخاري (١٣٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>