للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الرابع: كلمة (الأبعاض)]

الأبعاض، ويقال: الأعضاء، أو الأركان، أو الجوارح: وهذه أيضاً من الكلمات المجملة التي تطلق وتحتمل حقاً وباطلاً؛ فإليك نبذة في معانيها، ومقصود أهل التعطيل من إطلاقها وجواب أهل السنة على تلك الدعوى.

أ- معاني هذه الكلمات: معاني هذه الكلمات متقاربة من بعض.

- فالأبعاض: جمع لكلمة بعض، يقال: بعض الشيء أي جزؤه، وبعضت كذا أي جعلته أبعاضاً (١).

- والأركان: جمع ركن، وركن الشيء قوامه، وجانبه القوي الذي يتم به، ويسكن إليه.

- والأجزاء: جمع جزء، والجزء ما يتركب الشيء عنه وعن غيره.

وجزء الشيء ما يتقوم به جملته كأجزاء السفينة، وأجزاء البيت.

- والجوارح: مفردها الجارحة، وتسمى الصائدة من الكلاب, والفهود, والطيور جارحة؛ إما لأنها تجرح، وإما لأنها تكسب.

وسميت الأعضاء الكاسبة جوارح تشبيهاً بها لأحد هذين (٢).

- ويشبه هذه الألفاظ لفظ: الأعضاء، والأدوات، ونحوها.

ب- مقصود أهل التعطيل من إطلاقها: مقصودهم نفي بعض الصفات الذاتية الثابتة بالأدلة القطعية، كاليد، والوجه، والساق، والقدم والعين (٣).

ج- ما الذي دعاهم إلى نفيها؟ الذي دعاهم إلى نفي تلك الصفات هو اعتقادهم أنها بالنسبة للمخلوق أبعاض، وأعضاء، وأركان، وأجزاء، وجوارح وأدوات ونحو ذلك؛ فيرون –بزعمهم- أن إثبات تلك الصفات لله يقتضي التمثيل، والتجسيم؛ فوجب عندهم نفيها قراراً من ذلك.

وقد لجؤوا إلى تلك الألفاظ المجملة؛ لأجل أن يروج كلامهم، ويلقى القبول.

د- جواب أهل السنة: أهل السنة يقولون: إن هذه الصفات وإن كانت تعد في حق المخلوق أبعاضاً، أو أعضاء، وجوارح ونحو ذلك لكنها تعد في حق الله صفات أثبتها لنفسه، أو أثبتها له رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلا نخوض فيها بآرائنا وأهوائنا، بل نؤمن بها ونمرها كما جاءت ونفوض كنهها وحقيقتها إلى الله عز وجل لعدم معرفتنا لحقيقة الذات؛ لأن حقيقة معرفة الصفة متوقفة على معرفة حقيقة الذات كما لا يخفى، وهذه الصفات – أعني اليد، والساق ونحوها وكثير من صفات الله – قد تشترك مع صفات خلقه في اللفظ، وفي المعنى العام المطلق قبل أن تضاف.

وبمجرد إضافتها تختص صفات الخالق بالخالق، وصفات المخلوق بالمخلوق؛ فصفات الخالق تليق بجلاله, وعظمته, وربوبيته، وقيومته.

وصفات المخلوق تليق بحدوثه، وضعفه، ومخلوقيته (٤).

وبناء على ذلك يقال لمن يطلق تلك الألفاظ المجملة السالفة: إن أردت أن تنفي عن الله عز وجل أن يكون جسماً، وجثة، وأعضاء، ونحو ذلك – فكلامك صحيح، ونفيك في محله.

وإن أردت بذلك نفي الصفات الثابتة له، والتي ظننت أن إثباتها يقتضي التجسيم، ونحو ذلك من اللوازم الباطلة – فإن قولك باطل، ونفيك في غير محله.

هذا بالنسبة للمعنى.

أما بالنسبة للفظ فيجب ألا تعدل عن الألفاظ الشرعية في النفي أو الإثبات؛ لسلامتها من الاحتمالات الفاسدة.

يقول شارح الطحاوية رحمه الله: (ولكن لا يقال لهذه الصفات إنها أعضاء، أو جوارح، أو أدوات، أو أركان؛ لأن الركن جزء الماهية، والله تعالى هو الأحد، الصمد، لا يتجزأ سبحانه وتعالى, والأعضاء فيها معنى التفريق والتعضية تعالى الله عن ذلك، ومن هذا المعنى قوله تعالى: الَّذِينَ جَعَلُوا القُرْآَنَ عِضِينَ [الحجر: ٩١].

والجوارح فيها معنى الاكتساب والانتفاع؛ وكذلك الأدوات هي الآلات التي ينتفع بها في جلب المنفعة ودفع المضرة.

وكل هذه المعاني منتفية عن الله تعالى ولهذا لم يرد ذكرها في صفات الله تعالى فالألفاظ الشرعية صحيحة المعاني، سالمة من الاحتمالات الفاسدة، فكذلك يجب أن لا يعدل عن الألفاظ الشرعية نفياً، ولا إثباتاً؛ لئلا يثبت معنى فاسد، وأن ينفى معنى صحيح.

وكل هذه الألفاظ المجملة عرضة للمحق والمبطل) (٥). رسائل في العقيدة لمحمد بن إبراهيم الحمد– ص: ٢٢٨


(١) انظر ((معجم مفردات ألفاظ القرآن)) (ص: ٥٠، ٨٨، ٩٠، ٢٠٨) و ((التعريفات)) (ص: ٧٨، ١١٧).
(٢) انظر ((معجم مفردات ألفاظ القرآن)) (ص: ٥٠، ٨٨، ٩٠، ٢٠٨) و ((التعريفات)) (ص: ٧٨، ١١٧).
(٣) انظر ((شرح العقيدة الطحاوية)) (ص: ٢١٩).
(٤) انظر: ((الصفات الإلهية)) (ص: ٢٠٨ - ٢٠٩).
(٥) ((شرح العقيدة الطحاوية)) (ص: ٢٢٠، ٢٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>