للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الخامس: تأثير عارض الجهل على توحيد الألوهية]

إن توحيد الربوبية الذي أقر به الخلق لا يكفي وحده، بل هو من الحجة عليهم، فلا بد من الإقرار بتوحيد الألوهية الذي هو إفراد الله تعالى بالعبادة الخالصة. وهو معنى (لا إله إلا الله)، (إذ الإله: هو الذي يؤله فيعبد محبة وإنابة وإجلالاً وإكراماً ... ولهذا كانت "لا إله الله أحسن الحسنات، وكان التوحيد بقول (لا إله إلا الله) رأس الأمر) (١). وهذا هو حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، كما في الحديث الصحيح الذي رواه معاذ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أتدري ما حق الله على عباده؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال: حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، أتدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك؟، قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال: حقهم أن لا يعذبهم)) (٢).

ولهذا التوحيد لوازم ظاهرة وباطنة، وهي من أوامر الله تعالى للمؤمنين به الموحدين، وهي قبل ذلك من موجبات العبودية لله الواحد القهار الذي له صفات الكمال والجلال، كما قال الله تعالى: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء [آل عمران: ٢٦]، وقال تعالى: وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ [النحل: ٥٣]، وقال تعالى: وَإِن يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ [الأنعام: ١٧]، وقال تعالى: وَإِن يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ [يونس: ١٠٧]، وقال تعالى: قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ [الزمر: ٣٨]، وقال تعالى: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ [سبأ: ٢٢ - ٢٣]، وقال تعالى: وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [القصص: ٨٨]، وقال تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [البينة: ٥].

(ونظائر هذا في القرآن كثير، وكذلك في الأحاديث، وكذلك في إجماع الأمة، لا سيما أهل العلم والإيمان منهم، فإنه عندهم قطب رحى الدين، كما هو الواقع) (٣).

لذلك وجب على الإنسان المؤمن الموحد من أعمال القلب ومن أعمال الجوارح ما يحقق به حقيقة التوحيد لله عز وجل، وما يحقق به حقيقة العبودية في نفسه، فيحقق في نفسه تعظيم الرب جل وعلا ومحبته، ورجاءه والخوف منه، والرضا به والتسليم له، والطاعة له والانقياد عملاً بالقلب والجوارح معاً.


(١) ((مجموع الفتاوى)) (١/ ٢٢ - ٢٣).
(٢) رواه البخاري (٥٩٦٧)، ومسلم (٣٠).
(٣) ((مجموع الفتاوى)) (١/ ٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>