للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[- المكر على من يمكر به]

من صفات الله الفعليَّة الخبريَّة التي لا يوصف بها وصفاً مطلقاً، وهي ثابتة بالكتاب والسُّنَّة

الدليل من الكتاب:

قوله تعالى: وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [آل عمران٥٤]

وقوله: وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ [النمل٥٠]

الدليل من السُّنَّة:

حديث ابن عباس رضي الله عنهما: ((رب أعني ولا تعن علي، وانصرني ولا تنصر علي، وامكر لي ولا تمكر علي)) (١) رواه أبو داود (صحيح سنن أبي داود/١٣٣٧)، والترمذي (٢٨١٦)، وابن ماجه

قال أبو إسحاق الحربي: والكيد من الله خلافه من الناس، كما المَكْر منه خلافه من الناس (٢)

وهذا إثبات منه لصفتي الكَيْد والمَكْر على الحقيقة قال شيخ الإسلام: وهكذا وصف نفسه بالمَكْر والكيد، كما وصف عبده بذلك، فقال: وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ [الأنفال:٣٠]، وقال: إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً وَأَكِيدُ كَيْداً [الطارق:١٥]، وليس المَكْر كالمَكْر، ولا الكيد كالكيد (٣)

وانظر كلام تلميذه ابن القيم في (مختصر الصواعق المرسلة) (٤)

وفي (المجموع الثمين) سئل الشيخ العثيمين -رحمه الله- هل يوصف الله بالمَكْر؟ وهل يسمى به؟ فأجاب: لا يوصف الله تعالى بالمَكْر إلا مقيداً، فلا يوصف الله تعالى به وصفاً مطلقاً؛ قال الله تعالى: أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف:٩٩]، ففي هذه الآية دليل على أنَّ لله مكراً، والمَكْر هو التوصل إلى إيقاع الخصم من حيث لا يشعر، ومنه جاء في الحديث الذي أخرجه البخاري ((الحرب خدعة)) (٥) فإن قيل: كيف يوصف الله بالمَكْر مع أنَّ ظاهره أنه مذموم؟ قيل: إن المَكْر في محله محمود، يدل على قوة الماكر، وأنه غالب على خصمه، ولذلك لا يوصف الله به على الإطلاق، فلا يجوز أن تقول: إنَّ الله ماكر! وإنما تذكر هذه الصفة في مقام يكون مدحاً؛ مثل قوله تعالى: وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ، وقوله وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ [النمل:٥٠]، ومثل قوله تعالى: أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ، ولا تنفى عنه هذه الصفة على سبيل الإطلاق، بل إنها في المقام التي تكون مدحاً؛ يوصف بها، وفي المقام التي لا تكون مدحاً؛ لا يوصف بها، وكذلك لا يسمى الله به؛ فلا يقال: إنَّ من أسماء الله الماكر والمَكْر من الصفات الفعلية؛ لأنها تتعلق بمشيئة الله سبحانه اهـ (٦) وانظر كلام الإمام ابن جرير الطبري في صفة (الاسْتِهْزَاء)، وكلام ابن القيم في صفة (الخِدَاع) صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص٢٨٣


(١) رواه أبو داود (١٥١٠)، والترمذي (٣٥٥١)، وابن ماجه (٣٨٣٠)، وأحمد (١/ ٢٢٧) (١٩٩٧). والحديث سكت عنه أبو داود. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وقال البغوي في ((شرح السنة)) (٣/ ١٥٣): حسن صحيح. وقال ابن حجر في ((الأمالي المطلقة)) (ص٢٠٦): حسن. وقال أحمد شاكر في ((مسند أحمد)) (٣/ ٣١٠): إسناده صحيح. وقال الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)): صحيح.
(٢) ((غريب الحديث)) (١/ ٩٤).
(٣) ((العقيدة التدمرية)) (ص٢٦).
(٤) (٢/ ٣٢ - ٣٤).
(٥) رواه البخاري (٣٠٢٩)، ورواه مسلم (١٧٤٠). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. والحديث روي في الصحيحين أيضاً عن علي بن أبي طالب وجابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
(٦) ((المجموع الثمين)) (٢/ ٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>