للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الأول: حكم سب الله تعالى أو الاستهزاء به:]

حكى غيرُ واحدٍ الإجماع على أنَّ سبَّ اللهِ ورسولِه كفرٌ مخرج من الملة، ومن هؤلاء: الإمام إسحاق بن راهويه ومحمد بن سحنون وغيرهما. فظنَّ بعض الناس أنَّ الكفرَ العمليَّ لا يخرج صاحبه من الإسلام وأنَّ سبَّ الله ورسوله مستثنى من ذلك ... ومن فرَّق بين سبِّ الله أو رسوله وبين أي قولٍ أو عملٍ أجمع المسلمون أنه كفر كالذبح لغير الله أو السجود لصنمٍ أو نحو ذلك فعليه الدليل. فلا يظنُّ ظانٌّ أَنَّ في المسألة خلافاً يجعل المسألة من مسائل الخلاف والاجتهاد، إذ لا يستطيع أحدٌ أَنْ يحكي عن واحدٍ من علماء أهل السنة والجماعة خلاف ذلك البتَّةَ. التوسط والاقتصاد في أن الكفر يكون بالقول أو العمل أو الاعتقاد لعلوي بن عبد القادر السقاف-ص ١٢.

قال الإمام إسحاق بن راهويه أحد الأئمة الأعلام: أجمع المسلمون على أن من سبَّ الله، أو سبَّ رسولَه - صلى الله عليه وسلم - أو دفع شيئاً مما أنزل الله عزَّ وجلَّ، أو قتل نبيًّا من أنبياء الله، أَنَّه كافر بذلك وإِنْ كان مُقِرًّا بكلِّ ما أنزل الله. الصارم المسلول لابن تيمية -٢/ ١٥

وقال ابن قدامة: ومن سبَّ الله تعالى كفر، سواءً كان مازحاً أو جادًّا وكذلك من استهزأ بالله تعالى، أو بآياته أو برسله، أو كتبه، قال الله تعالى: وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة: ٦٥ - ٦٦]. وينبغي أَنْ لا يُكْتَفى من الهازئ بذلك بمجرَّد الإسلام، حتى يؤدَّب أدباً يزجره عن ذلك، فإنَّه إذا لم يُكتف مِمَّن سبَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بالتوبة، فمِمَّن سبَّ الله تعالى أولى. المغني لابن قدامة -١٢/ ٢٩٨.

وقال ابن تيمية: فإنَّا نعلم أَنَّ من سبَّ الله ورسولَه طوعاً بغير كَرْه، بل من تكلَّم بكلمات الكفر طائعاً غير مُكْرَهٍ، ومن استهزأ بالله وآياته ورسوله فهو كافرٌ باطناً وظاهراً، وأنَّ من قال: إِنَّ مثل هذا قد يكون في الباطن مؤمناً بالله وإِنَّما هو كافرٌ في الظَّاهر، فإنَّه قال قولاً معلوم الفساد بالضَّرورة من الدِّين، وقد ذكر الله كلماتِ الكفَّار في القرآن وحكم بكفرهم واستحقاقهم الوعيد بها ولو كانت أقوالهم الكفريَّة بمنزلة شهادةِ الشُّهود عليهم، أو بمنزلة الإقرار الذي يغلط فيه المقِرُّ لم يجعلهم الله من أهل الوعيد بالشهادة التي قد تكون صِدْقاً وقد تكون كَذِباً، بل كان ينبغي أَنْ لا يعذِّبهم إلاَّ بشرط صِدْق الشَّهادة وهذا كقوله تعالى: لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [المائدة: ٧٣] لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [المائدة: ١٧] وأمثال ذلك. مجموع الفتاوى لابن تيمية ٧/ ٧٥٧

وقال أيضاً: (إنَّ من سبَّ الله أو سبَّ رسوله كفر ظاهراً وباطناً، سواءً كان السابُّ يعتقد أَنَّ ذلك محرَّم، أو كان مستحلًّا له، أو كان ذاهلاً عن اعتقاده، هذا مذهب الفقهاء وسائر أهل السنَّة القائلين بأنَّ الإيمانَ قولٌ وعملٌ) الصارم المسلول على شاتم الرسول لابن تيمية- ٣/ ٩٥٥

<<  <  ج: ص:  >  >>