للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ست وخمسون: الآثار الإيمانية لاسم الله الودود]

١ - قال القرطبي: فيجب على كل مكلف أن يعلم أن الله سبحانه هو (الودود) على الإطلاق، المحب لخلقه، والمثنى عليهم والمحسن إليهم اهـ (١).

فالله سبحانه وتعالى يحب من أطاعه ويبغض من عصاه. يحب التوابين والمتطهرين والصابرين والمتوكلين والمقسطين والمؤمنين والمتقين والمحسنين، وجميع الطائعين. ويبغض ويكره المعتدين والمفسدين والمسرفين والخائنين والمستكبرين والفاسقين والظالمين والكافرين، ولا يحب كل مختال فخور، ولا كل خوان كفور، وهذا كله في كتابه العزيز.

فيجب على العبد أن يتبع ما يحبه الله ويرضاه، ويتجنب ما يبغضه ولا يحبه.

يقول القرطبي في تتمه كلامه السابق: ثم يجب عليه أن يتودد على ربه بامتثال أمره ونهيه، كما تودد إليه بإدرار نعمه وفضله، ويحبه كما أحبه.

ومن حب العبد لله رضاه بما قضاه وقدره، وحب القرآن والقيام به، وحب الرسول صلى الله عليه وسلم وحب سنته والقيام بها والدعاء إليها، قال الله العظيم قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ [آل عمران: ٣١]، فمن اتبع رسوله فيما جاء به، وصدق في أتباعه، فذلك الذي أحب الله وأحبه الله.

واعلم أن مثال محبة الله تعالى بترك المناهي، أكثر من مثالها بسواها من أعمال الطاعات، فالأعمال الصالحة قد يعملها البر والفاجر، والانتهاء عن المعاصي لا تكون إلا بالكمال (و) إلا من مصدق.

قلت (القرطبي) وعلى هذا الحذو – والله أعلم – يترتب حب الله تعالى للعبد وحب الناس له، وعليه يخرج الحديث الذي خرجه مالك والبخاري ومسلم وغيرهم واللفظ لمسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله إذا أحب عبداً دعا جبريل فقال: إني أحب فلاناً فأحبه، قال فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض الله عبداً دعا جبريل فيقول: إني أبغض فلاناً فأبغضه فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً فأبغضوه، قال فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض)) (٢) (٣).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وهو سبحانه يحب عباده الذين يحبونه، والمحبوب لغيره أولى أن يكون محبوباً.

فإذا كنا إذا أحببنا شيئاً لله كان الله هو المحبوب في الحقيقة، وحبنا لذلك بطريق التبع، وكنا نحب من يحب الله لأنه يحب الله، فالله تعالى يحب الذين يحبونه، فهو المستحق أن يكون هو المحبوب المألوه المعبود، وأن يكون غاية كل حب (٤).

٢ - أن المستحق أن يحب لذاته هو الله سبحانه، وتعالى، وكل محبة يجب أن تكون لله وفي الله، فإذا أحب العبد أحب الله وإذا أبغض أبغض لله، وإذا أعطى أعطى لله، وإذا منع منع لله، وإذا والى والى في الله وإذا عادى عادى في الله، وهكذا كل أعماله يجب أن تكون فيما يحبه الله ويرضاه.

وكذا فإنه لا يجوز للعبد أن يبغض من أحبه الله تعالى من الأنبياء والمرسلين والأولياء والصالحين، ولا يحب من أبغضه الله من الفساق والعاصين والمكذبين والمحاربين لله بأموالهم وأنفسهم، مهما كانت قرابتهم له.


(١) ((الكتاب الأسنى)).
(٢) رواه البخاري (٣٢٠٩)، ومسلم (٢٦٣٧).
(٣) ((الكتاب الأسنى)).
(٤) ((درء تعارض العقل والنقل)) (٤/ ١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>