للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث السادس: الفرق بين الموالاة وبين المعاملة بالحسنى]

أن الولاء شيء والمعاملة بالحسنى شيء آخر والأصل في هذا قوله تعالى:

لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الممتحنة:٨].

وقد اختلف أهل العلم في تفسيرها فقال بعضهم أن المعني بها: الذين كانوا آمنوا بمكة ولم يهاجروا فأذن الله للمؤمنين ببرهم والإحسان إليهم وإلى هذا ذهب مجاهد.

وقال آخرون: عني بها من غير أهل مكة من لم يهاجر.

وقال آخرون: بل عني بها من مشركي مكة من لم يقاتل المؤمنين ولم يخرجوهم من ديارهم ونسخ الله ذلك بعد بالأمر بقتالهم. ويروى هذا عن قتادة (١).

ورجح ابن جرير: أن أولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: عني بذلك: لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلونكم في الدين من جميع أصناف الملل والأديان أن تبروهم وتصلوهم وتقسطوا إليهم. لأن الله عز وجل عم بقوله: لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ. جميع من كان ذلك صفته، فلم يخصص به بعضاً دون بعض، ولا معنى لقول من قال: ذلك منسوخ. لأن بر المؤمن أحداً من أهل الحرب ممن بينه وبينه قرابة نسب، أو ممن لا قرابة بينهما ولا نسب غير محرم، ولا منهي عنه إذا لم يكن في ذلك دلالة له أو لأهل الحرب على عورة لأهل الإسلام، أو تقوية لهم بكراع أو سلاح.

ويبين ذلك الخبر المروي عن ابن الزبير في قصة أسماء مع أمها (٢). والإسلام بفعله هذا – حتى في حالة الخصومة – يستبقي أسباب الود في النفوس بنظافة السلوك، وعدالة المعاملة انتظاراً لليوم الذي يقتنع فيه خصومه بأن الخير في أن ينضووا تحت لوائه الرفيع (٣).

... إن الله أمر بصلة الأقارب الكفار والمشركين و ... ذلك ليس موالاة لهم في شيء.

ونزيد هذا الأمر إيضاحاً بقصة أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها مع أمها فقد روى البخاري ومسلم عن أسماء رضي الله عنها قالت: ((قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: إن أمي قدمت علي وهي راغبة أفأصل أمي؟ قال: نعم صلي أمك)) (٤).

قال الخطابي: فيه – أي الحديث – أن الرحم الكافرة توصل من المال ونحوه كما توصل المسلمة ويستنبط منه وجوب نفقة الأب الكافر والأم الكافرة وإن كان الولد مسلماً (٥).

قال ابن حجر: البر والصلة والإحسان لا يستلزم التحابب والتوادد المنهي عنه في قوله تعالى:

لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [المجادلة: ٢٢].

فإنها عامة في حق من قاتل ومن لم يقاتل (٦).


(١) [١١٠٨])) ((تفسير الطبري)) (٢٨/ ٦٦)
(٢) [١١٠٩])) ((تفسير الطبري)) (٢٨/ ٦٦)
(٣) [١١١٠])) انظر ((الظلال)) (٦/ ٣٥٤٤)
(٤) [١١١١])) رواه البخاري (٢٦٢٠) ومسلم (١٠٠٣).
(٥) [١١١٢])) ((فتح الباري)) (٥/ ٢٣٤)
(٦) [١١١٣])) ((فتح الباري)) (٥/ ٢٣٣)

<<  <  ج: ص:  >  >>