للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القاعدة الثانية: موافقة النصوص لفظاً ومعنى أولى من موافقتها في المعنى دون اللفظ:

وذلك أن متابعة الكتاب والسنة في اللفظ والمعنى أكمل وأتم من متابعتها في المعنى دون اللفظ؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم علم البراء بن عازب كلمات يقولهن إذا أخذ مضجعه، وفيها (( ... آمنت بكتابك الذي أنزلت ونبيك الذي أرسلت)) قال البراء: ((فرددتهن لأستذكرهن فقلت: آمنت برسولك الذي أرسلت. قال – أي النبي صلى الله عليه وسلم – قل آمنت بنبيك الذي أرسلت)) (١) تحقيقاً لكمال الموافقة، في اللفظ والمعنى.

ولهذا منع جمع من العلماء نقل حديث الرسول صلى الله عليه وسلم بالمعنى، ومن أجازه اشترط أن يكون الناقل عاقلاً عالماً بما يحيل المعنى من اللفظ، مدركاً لأساليب العرب حتى يستبين الفروق (٢).

فالناس في موافقة الكتاب والسنة أقسام:

الأول: من يوافقهما لفظاً ومعنى، وهذا أسعد الناس بالحق.

الثاني: من يوافقهما في المعنى دون اللفظ، كمن يتكلم في المعاني الشرعية الصحيحة بألفاظ غير شرعية، وهذا كالألفاظ المجملة والتي تحتمل حقاً وباطلاً، كمن يتكلم في نفي الجهة عن الله تعالى قاصداً نفي الجهة المخلوقة، أو ينفي الحيز والمكان المخلوقين وغير ذلك من الألفاظ التي لم ترد لا في الكتاب ولا في السنة، بل تحتمل معاني صحيحة وأخرى فاسدة، فإذا عرف مراد صاحبها وكان موافقاً للمعنى الصحيح، قبل مراده، ومنع من التكلم باللفظ المجمل، وعلم الألفاظ الشرعية في ذلك. وكذلك يدخل فيهم من نفى ظاهر نصوص الصفات قاصداً نفي المعنى الظاهر المختص بالمخلوق، فنفيه صحيح، لكن ظاهر النصوص لم يدل على باطل، حتى يستوجب هذا النفي، وإنما نفى هذا ما توهمه أنه ظاهر النص، وإن لم يكن كذلك في نفس الأمر.

الثالث: من يوافق الكتاب والسنة في اللفظ دون المعنى، وهؤلاء كطوائف الباطنية وغيرهم ممن يعبرون عن عقائدهم الفاسدة بألفاظ شرعية، فالصلاة عندهم كشف أسرارهم، والصيام كتمانها، والحج القصد إلى شيوخهم، ونحو ذلك (٣).

الرابع: من يخالف الكتاب والسنة لفظاً ومعنى، وهؤلاء أشقى الطوائف، وهم من الكفرة والملاحدة ونحوهم.


(١) رواه البخاري (٢٤٧) ومسلم (٢٧١٠) واللفظ لمسلم.
(٢) انظر: ((الرسالة)) للشافعي (ص: ٣٧٠، ٣٧١).
(٣) انظر: ((الإقحام لأفئدة الباطنية الطغام)) للعلوي (ص: ٧١) وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>