للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الوجه الثاني: التوسل إلى الله تعالى بجاه فلان, أو حقه, أو حرمته وما أشبه]

أما التوسل إلى الله تعالى: بجاه أو بحرمة المتوسل به .. فهذا عمل لم يشرعه الله ولم يبلغه رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا أمر به، ولا حض عليه، ولم يصل إلينا عن أحد من أصحابه رضي الله عنهم.

وإننا نوجه سؤالاً للذين يستحلون هذا النوع من التوسل فنقول:

إن هذا الذي تسألون الله بجاهه أو بحرمته عنده، كيف تكون له هذا الجاه والحرمة، وتلك المنزلة الطيبة عنده سبحانه؟ أليس هذا كله، من طاعته لربه وتنفيذه لأوامره، وتركه لنواهيه، وفعله الخيرات، وجهاده في سبيل الله, ونشره الدعوة بين الناس، وصبره على الأذى في سبيلها ... ؟ أليس كذلك ... ؟ ولولا أن يفعل هذا ... ما كان له ذلك الجاه ولا الحرمة ولا تلك المنزلة العالية. فإذا كان الأمر كذلك ... فهل لكم من أعماله تلك أي سهم أو نصيب ... ؟ ستقولون: لا ... إن عمله له وليس لأحد أي نصيب منه، فأقول: هذا هو القول الحق بارك الله فيكم, فما دمتم تعلمون أن كل هذه المكانة والحرمة متأتية له من سعيه، ومتأكدون أن سعيه له، وليس لكم فيه من حق ... فكيف إذاً تتوسلون إلى الله بجاه لا تملكونه، وحرمة ليس لكم فيها أية علاقة، ومكانة اختصه الله بها وليس لكم منها مثقال ذرة ... ؟ والله سبحانه وتعالى قرر في كتاب العزيز: وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاء الأَوْفَى [النجم: ٣٩ - ٤٠].

إذاً فالذي ليس من سعيكم ليس لكم فيه من نصيب ... فتوسلكم بجاهه, أو بحرمته, أو منزلته مخالف لما قال سبحانه من الآية المتقدمة، وليس لكم أن تفعلوا ذلك.

وبناء على ما تقدم، فإن كل توسل إلى الله بما لم يشرع ... غير مقبول ومردود .. لأنه ليس مطابقاً لما أمر الله وشرع. هذا عدا عن أن مخالفة أمر الله يترتب عليها عقاب, لأن مخالفة أمر الله ذنب، ولكل ذنب عقاب.

فما رأيكم بعمل تعملونه ... وتظنون أنه قربى إلى الله وفي الواقع ليس هو قربى ... بل ذنب يستحق أن تتوبوا منه أو تعاقبوا عليه ... فلا أنتم منه تتوبون أو تستغفرون، ولا أنتم عنه راجعون، فتكررون الذنب ولا تستغفرون, ويتراكم ولا تشعرون, وتحسبون أنكم بعملكم هذا تحسنون صنعاً ... !!!

فأطعتم الشيطان ... ! وعصيتم الرحمن!!! ولكن بعد أن وضح الحق ... هل أنتم منتهون؟

وإذا كان هناك رجال صالحون، قبضهم الله إليه، ومضوا إلى ما عملوا من خير وصلاح ... فهم – إن شاء الله – في بحبوحة من رحمة الله ومغفرته، ورحاب فسيحة من رضاه وعفوه وكرمه، فليس لأحد أن يتوسل إلى الله بصلاحهم ... لأن صلاحهم من سعيهم، لا من سعي المتوسلين بهم.

قال شيخ الإسلام أحمد بن تيمية رحمه الله:

(ليس لأحد أن يدل على الله بصلاح سلفه، فإنه ليس صلاحهم من عمله الذي يستحق به الجزاء، كأهل الغار الثلاثة، فأنهم لم يتوسلوا إلى الله بصلاح سلفهم، وإنما توسلوا إلى الله بأعمالهم) اهـ.

ولماذا لا تعملون صالحاً كما عملوا .. وتتوسلون بأعمالكم الصالحة كما توسلوا .. فتكتب لكم في صحائفكم، وتتقربون بها إلى الله وتتوسلون، كما فعل السلف الصالح ممن سبقكم ... أما سمعتم الشاعر يقول:

لسنا وإن أحسابنا كرمت ... يوماً على الآباء نتكل

نبني كما كانت أوائلنا ... تبني، ونفعل مثلما فعلوا

وقال شارح العقيدة الطحاوية رحمه الله:

(ولا مناسبة بين ذلك –أي صلاح المتوسل به- وبين استجابة الدعاء، فكأن المتوسل يقول: لكون فلان من عبادك الصالحين أجب دعاي! وأي مناسبة في هذا ... وأي ملازمة؟ وإنما هذا من الاعتداء في الدعاء وقد قال تعالى: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ المُعْتَدِينَ [الأعراف: ٥٥].

وهذا ... ونحوه من الأدعية المبتدعة. ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن الصحابة، ولا عن التابعين، ولا عن الأئمة رضي الله عنهم أجمعين، وإنما يوجد مثل هذا .. في الحروز والهياكل – أي التمائم – التي يكتب بها الجهال والطرقية, والدعاء من أفضل العبادات، والعبادات مبناها على السنة والإتباع، لا على الهوى والابتداع).

<<  <  ج: ص:  >  >>