للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفرع الأول: فضائل أزواج النبي إجمالا]

الفضيلة الأولى: الحديث عنهن بوصف الزوجية

ذكر الله تعالى نساء النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ الزوجية في غير ما موضع من القرآن الكريم، ومن ذلك أول آية من آيات التخيير: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ [الأحزاب: ٢٨]، إن ذكر أمهات المؤمنين بلفظ الزوجية هنا لم يكن عبثاً من القول –وحاشا القرآن أن يكون كذلك- بل له دلالة على الفضل، ووجه ذلك: أن لفظ الأزواج مشعر بالمشاكلة والمجانسة والاقتران كما هو المفهوم من لفظه؛ فإن الزوجين هما الشيئان المتشابهان المتشاكلان والمتساويان، ومنه قوله تعالى: احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ [الصافات: ٢٢]، قال أهل التفسير: أشباههم وأمثالهم (١).

ففي الآية دليل ظاهر على التزكية العلية لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث جعلن في مقام المشابه المناسب له صلى الله عليه وسلم مما يدل على صفات الصلاح والتقوى والطهر.

وتأمل كيف كان القرآن يتحدث عن الزوجات الكافرات للأنبياء بلفظ المرأة، قال تعالى: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ [التحريم: ١٠] أما أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فكان الخطاب لهن بلفظ الزوجة غالباً حتى في مقام العتاب كما في سورة التحريم، ولم يخاطبهن بلفظ المرأة.

وغير خافٍ لطافة بداية الخطاب القرآني لهن بلفظ الزوجية في آية التخيير، وكأن الله يذكرهن بمقام المشابهة والمناسبة للنبي صلى الله عليه وسلم والذي لا ينبغي أن يغفلن عنه، بل يلحظنه دائما، وقد فعلن رضي الله عنهن.

الفضيلة الثانية: اختيارهن جميعاً الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والدار الآخرة:

وهذا أمر مقطوع به دل عليه حديث ابن عباس رضي الله عنه المتقدم وحديث عائشة رضي الله عنها، وفيه: (فجعل يخيرهن ويقرأ عليهن القرآن، ويخبرهن بما صنعت عائشة رضي الله عنها فتتابعن على ذلك) (٢).

وعلى هذا قول جمهور المفسرين (٣) أنهن جميعاً تتابعن على ما قالت عائشة رضي الله عنها إلا ما روي عن ابن زيد (٤) أن بدوية اختارت نفسها، لكنه رأي مرجوح.

قال ابن حجر: (واستدل به بعضهم على ضعف ما جاء أن من الأزواج حينئذ من اختارت الدنيا لعموم قولها: (ثم فعل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مثلما فعلت) (٥).

قال ابن تيمية: (وقد ثبت بالنقل الصحيح أن هذه الآيات لما نزلت قرأ النبي صلى الله عليه وسلم على أزواجه، وخيرهن كما أمره الله، فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة، ولذلك أقرهن ولم يطلقهن، حتى مات عنهن) (٦).

قال ابن كثير: (فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة؛ فجمع الله لهن بعد ذلك بين خير الدنيا وسعادة الآخرة) (٧).

وإذا كان هذا الاختيار دالاً على المرتبة العالية في التقوى وصدق الإيمان لأمهات المؤمنين عموماً فإن فيه فضائل خاصة لعائشة رضي الله عنها من عدة جهات:

الأولى: البدء بها في التخيير المشعر بتقدمها على باقي الأمهات رضي الله عنهن.

الثانية: بيان كمال عقلها، وصحة رأيها مع صغر سنها (٨)، حيث أسرعت بالاستجابة ولم تشاور أبويها، ورأت أن هذا لا استشارة فيه البتة.


(١) ((تفسير القرآن العظيم)) (٧/ ٨ - ٩).
(٢) ((تفسير الطبري)) (٢١/ ٩٩)، والحديث رواه مسلم مطولاً (١٤٧٨) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه.
(٣) ((تفسير الطبري)) (٢١/ ١٠٠)، ((المحرر الوجيز)) (١٢/ ٥١).
(٤) ((تفسير الطبري)) (٢١/ ٩٩ - ١٠٠).
(٥) ((فتح الباري)) (٨/ ٣٨٣).
(٦) ((رسالة في فضل أهل البيت)) (ص: ٢٢).
(٧) ((تفسير القرآن العظيم)) (٦/ ٤٠١).
(٨) ((فتح الباري)) (٨/ ٣٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>