للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثالث: في بيان وجود النار الآن]

أعلم أنه لم يزل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعون, وأهل السنة, والحديث قاطبة. وفقهاء الإسلام, وأهل التصوف والزهد, على اعتقاد ذلك وإثباته، مستندين في ذلك إلى نصوص الكتاب العزيز والسنة المطهرة، وما علم بالضرورة من أخبار الرسل كلهم من أولهم إلى آخرهم، .... ، فإنهم دعوا الأمم إليها, وأخبروا بها, إلى أن نبغت نابغة من أهل البدع والأهواء فأنكرت أن تكون الآن مخلوقة موجودة، وقالت بل الله ينشئها يوم المعاد.

وأن خلق النار قبل الجزاء عبث فإنها تصير معطلة مدداً متطاولة ليس فيها سكانها؛ فردوا من النصوص الأصول والفروع، وضللوا كل من خالف بدعتهم هذه بما لا يسمن ولا يغني من جوع. ولهذا صار السلف الصالح ومن نحا نحوهم يذكرون في عقائدهم أن الجنة والنار مخلوقتان الآن موجودتان في الحال، ويذكر من صنف في المقالات أن هذه مقالة أهل السنة والحديث كافة لا يختلفون فيها، منهم أبو الحسن الأشعري إمام الأشاعرة في كتابه (مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين).

وقد ذكر الله تعالى النار في كتابه في مواضع كثيرة يتعسر حدها ويفوت عدها ووصفها. وأخبر بها على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ونعتها فقال عز من قال فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [البقرة: ٢٤] وقال إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا [الكهف: ٢٩].

وقال إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا [الكهف: ١٠٢] وقال بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا [الفرقان: ١١] وقال تعالى أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا [نوح: ٢٥] وقال وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [الفتح: ٦] وقال وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ [الملك: ٥] وقال النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا [غافر: ٤٦] إلى غير ذلك من الأدلة القطعية التي كلها صيغ موضوعة للمعنى حقيقة فلا وجه للعدول عنها إلى المجازات إلا بصريح آية أو صحيح دلالة وأنى لهم ذلك؟

وفي الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي, إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة, وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، يقال هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة)) (١). وفيهما أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم: ((رأى في صلاة الكسوف النار فلم ير منظر أفظع من ذلك)) (٢) وفي البخاري عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء)) (٣) وفيه دلالة على وجودها حال اطلاعه, ورواه الترمذي والنسائي أيضاً.

وفي الصحيح (باب صفة النار وأنها مخلوقة الآن) وعن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم ((أبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم)) وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اشتكت النار إلى ربها فقالت: رب أكل بعضي بعضاً, فأذن لها بنفسين: نفس في الشتاء, ونفس في الصيف, فأشد ما تجدون من الحر, وأشد ما تجدون من الزمهرير)) (٤) رواه البخاري أي من ذلك التنفس.


(١) رواه البخاري (١٣٧٩)، ومسلم (٢٨٦٦).
(٢) حديث الكسوف رواه البخاري (٥١٠٩٧)، ومسلم (٩٠٧). من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(٣) رواه البخاري (٥١٩٨).
(٤) رواه البخاري (٣٢٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>