للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الرابع: التكفير بالمآل أو بلازم المذهب]

(التكفير بالمآل)، والمقصود به أن يقول قولاً يؤديه سياقه إلى كفر، وهو إذا وقف عليه لا يقول بما يؤديه قوله إليه، كحال بعض أهل البدع والمتأولين (١).

يقول ابن رشد الحفيد: (ومعنى التكفير بالمآل: أنهم لا يصرحون بقول هو كفر، ولكن يصرحون بأقوال يلزم عنها الكفر وهم لا يعتقدون ذلك اللزوم) (٢).

وقد بين أهل العلم هذه المسألة، ومن ذلك ما ذكره القاضي عياض حيث قال عند ذكره للمعطلة:

(فأما من أثبت الوصف، ونفى الصفة فقال: أقول: عالم ولكن لا علم له، ومتكلم ولكن لا كلام له، وهكذا في سائر الصفات على مذهب المعتزلة، فمن قال بالمآل لما يؤديه إليه قوله، ويسوقه إليه مذهبه كفر، لأنه إذا نفى العلم انتفى وصف عالم، إذ لا يوصف بعالم إلا من له علم، فكأنهم صرحوا عنده بما أدى إليه قولهم. ومن لم ير أخذهم بمآل قولهم، ولا ألزمهم موجب مذهبهم، لم ير إكفارهم، قال: لأنهم إذا وقفوا على هذا، قالوا: لا نقول ليس بعالم، ونحن ننتفي من القول بالمآل الذي ألزمتموه لنا، ونعتقد نحن وأنتم أنه كفر، بل نقول: إن قولنا لا يؤول إليه على ما أصلناه فعلى هذين المأخذين اختلف الناس في إكفار أهل التأويل، وإذا فهمته اتضح لك الموجب لاختلاف الناس في ذلك.

والصواب: ترك إكفارهم والإعراض عن الحتم عليهم بالخسران، وإجراء حكم الإسلام عليهم في قصاصهم، ووراثاتهم، ومناكحتهم، ودياتهم، والصلاة عليهم، ولكنهم يغلظ عليهم بوجيع الأدب، وشديد الزجر والهجر، حتى يرجعوا عن بدعتهم) (٣).

ويبطل ابن حزم الكفر بالمآل فيقول: _

(وأما من كفر الناس بما تؤول إليه أقوالهم فخطأ؛ لأنه كذب على الخصم وتقويل له ما لم يقل به، وإن لزمه فلم يحصل على غير التناقض فقط، والتناقض ليس كفراً، بل قد أحسن إذ قد فر من الكفر) (٤).

إلى أن قال (فصح أنه لا يكفر أحد إلا بنفس قوله، ونص معتقده، ولا ينفع أحد أن يعبر عن معتقده بلفظ يحسن به قبحه، لكن المحكوم به هو مقتضى قوله فقط) (٥).

كما ينفي الشاطبي الكفر بالمآل فيقول:

(والذي كنا نسمعه من الشيوخ أن مذهب المحققين من أهل الأصول (إن الكفر بالمآل ليس بكفر في الحال) كيف والكافر ينكر ذلك المآل أشد الإنكار، ويرمي مخالفه به) (٦).

٤ - ومما هو قريب من مسألة التكفير بالمآل ما يسمى بالتكفير بلازم القول (٧).

ومعنى اللازم: ما يمتنع إنفكاكه عن الشيء، وقد يكون هذا اللازم بيناً، وهو الذي يكفي تصوره مع تصور ملزومه في جزم العقل باللزوم بينهما. وقد يكون غير بين، وهو الذي يفتقر جزم الذهن باللزوم بينهما إلى وسط (٨).

إن التكفير بلازم القول مطلقاً قد أورث في الأمة تفرقاً واختلافاً ... وكما قال الإمام الذهبي رحمه الله:

(لا ريب أن بعض علماء النظر بالغوا في النفي، والرد والتحريف والتنزيه بزعمهم حتى وقعوا في بدعة، أو نعت الباري بنعوت المعدوم.


(١) انظر ((الشفا)) (٢/ ١٠٥٦).
(٢) ((بداية المجتهد)) (٢/ ٤٩٢).
(٣) ((الشفا)) (٢/ ١٠٨٤ - ١٠٨٦)
(٤) ((الفصل)) (٣/ ٢٩٤).
(٥) ((الفصل)) (٣/ ٢٩٤)
(٦) ((الاعتصام)) (٢/ ١٩٧)
(٧) أطلق ابن الوزير على مسألة التكفير بالمآل: التكفير بالإلزام، انظر ((العواصم والقواصم)) (٤/ ٣٦٧).
(٨) انظر ((التعريفات)) (ص: ١٩٠) للجرجاني.

<<  <  ج: ص:  >  >>