للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الأول: كلمة (الجهة)]

هذه اللفظة من الكلمات المجملة التي يطلقها أهل التعطيل، فما معناها في اللغة؟ وما مرادهم من إطلاقها؟ وما التحقيق في تلك اللفظة؟ وهي هي ثابتة لله، أو منفية عنه؟

أ- معنى الجهة في اللغة: تطلق الجهة على الوضع الذي تتوجه إليه، وتقصده، وتطلق على الطريق، وعلى كل شيء استقبلته، وأخذت فيه (١).

ب- ومراد أهل التعطيل من إطلاق لفظ الجهة: نفي صفة العلو عن الله عز وجل.

ج- والتحقيق في هذه اللفظة: أن يقال: إن إطلاق لفظ الجهة في حق الله سبحانه وتعالى أمر مبتدع لم يرد في الكتاب ولا السنة، ولا عن أحد من سلف هذه الأمة.

وبناء على هذا لا يصح إطلاق الجهة على الله عز وجل لا نفياً ولا إثباتاً، بل لابد من التفصيل؛ لأن هذا المعنى يحتمل حقاً ويحتمل باطلاً.

فإن أريد بها جهة سفل فإنها منتفية عن الله، وممتنعة عليه أيضاً؛ فإن الله أعظم وأجل من أن يحيط به شيء من مخلوقاته، كيف وقد وسع كرسيه السموات والأرض؟

وإن أريد بالجهة أنه في جميع الجهات، وأنه حال في خلقه، وأنه بذاته في كل مكان فإن ذلك ممتنع على الله، منتف في حقه.

وإن أريد نفي الجهة عن الله كما يقول أهل التعطيل؛ حيث يقولون: إن الله ليس في جهة، أي ليس في مكان، فهو لا داخل العالم، ولا خارجه، ولا متصل، ولا منفصل، ولا فوق، ولا تحت فإن ذلك أيضاً ممتنع على الله منتف في حقه؛ إذ إن ذلك وصف له بالعدم المحض.

وإن أريد بالجهة أنه في جهة علو تليق بجلاله، وعظمته من غير إحاطة به، ومن غير أن يكون محتاجاً لأحد من خلقه فإن ذلك حق ثابت له، ومعنى صحيح دلت عليه النصوص، والعقول، والفطر السليمة.

ومعنى كونه في السماء، أي في جهة العلو، أو أن (في) بمعنى على، أي على السماء، كما قال تعالى: وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ [طه: ٧١] أي على جذوع النخل.

وبهذا التفصيل يتبين الحق من الباطل في هذا الإطلاق.

أما بالنسبة للفظ فكما سبق لا يثبت ولا ينفي، بل يجب أن يستعمل بدلاً عنه اللفظ الشرعي، وهو العلو، والفوقية (٢). رسائل في العقيدة لمحمد بن إبراهيم الحمد– ص: ٢٢١


(١) انظر: ((لسان العرب)) (١٣/ ٥٥٥ - ٥٦٠).
(٢) انظر: ((شرح العقيدة الطحاوية)) (ص:٢٢١)، و ((التحفة المهدية شرح الرسالة التدمرية)) (ص: ١٦٦ - ١٧١). و ((فتح رب البرية)) (ص: ٣٣ - ٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>