للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المسألة الثالثة: درجات التعطيل في باب صفات الله تعالى]

القول الأول: نفاة جميع الصفات

وهذا قول الغلاة من المعطلة، ومنهم الجهمية أتباع جهم, والفلاسفة سواء كانوا أهل فلسفة محضة كالفارابي, أو فلسفة باطنية رافضية إسماعيلية كابن سينا وإخوان الصفا, أو فلسفة صوفية اتحادية كابن عربي وابن سبعين. وهذا القول بنفي الصفات هو قول المعتزلة ومن تبعهم كالزيدية, والرافضة الإمامية, والخوارج الإباضية, وكذلك هو قول النجارية, والضرارية.

فهؤلاء جميعاً لا يثبتون الصفات لله تعالى، وقد تنوعت أساليب تعطيلهم وطرق إنكارهم لها، ويمكن تصنيفهم إلى صنفين:

١ - غلاة المعطلة. ٢ - المعتزلة ومن وافقهم.

١ - فغلاة المعطلة يمنعون الإثبات بأي حال من الأحوال ولهم في النفي درجات:

الدرجة الأولى: درجة المكذبة النفاة

وهي التي عليها الجهمية وطائفة من الفلاسفة (١) , وهو كذلك قول ابن سينا وأمثاله (٢).

فهم يصفون الله بالصفات السلبية على وجه التفصيل, ولا يثبتون له إلا وجوداً مطلقاً لا حقيقة له عند التحصيل, وإنما يرجع إلى وجود في الأذهان، يمتنع تحققه في الأعيان (٣) , فهؤلاء وصفوه بالسلوب والإضافات دون صفات الإثبات, وجعلوه هو الوجود المطلق بشرط الإطلاق، وقد علم بصريح العقل أن هذا لا يكون إلا في الذهن، لا فيما خرج عنه من الموجودات (٤).

الدرجة الثانية: المتجاهلة الواقفة

الذين يقولون لا نثبت ولا ننفي، وهذه الدرجة تنسب لغلاة المعطلة من القرامطة الباطنية المتفلسفة (٥).

فهؤلاء هم غلاة الغلاة (٦) لأنهم يسلبون عنه النقيضين فيقولون: لا موجود، ولا معدوم، ولا حي ولا ميت، ولا عالم ولا جاهل، لأنهم يزعمون أنهم إذا وصفوه بالإثبات شبهوه بالموجودات، وإذا وصفوه بالنفي شبهوه بالمعدومات, فسلبوا النقيضين، وهذا ممتنع في بداهة العقول؛ وحرفوا ما أنزل الله من الكتاب وما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فوقعوا في شر مما فروا منه، فإنهم شبهوه بالممتنعات؛ إذ سلب النقيضين كجمع النقيضين، كلاهما من الممتنعات (٧).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (فالقرامطة الذين قالوا لا يوصف بأنه حي ولا ميت، ولا عالم ولا جاهل، ولا قادر ولا عاجز، بل قالوا لا يوصف بالإيجاب ولا بالسلب، فلا يقال حي عالم, ولا ليس بحي عالم، ولا يقال هو عليم قدير، ولا يقال ليس بقدير عليم، ولا يقال هو متكلم مريد، ولا يقال ليس بمتكلم مريد، قالوا لأن في الإثبات تشبيهاً بما تثبت له هذه الصفات، وفي النفي تشبيه له بما ينفى عنه هذه الصفات) (٨).

الدرجة الثالثة: المتجاهلة اللأدرية

الذين يقولون: نحن لا نقول ليس بموجود ولا معدوم ولا حي ولا ميت، فلا ننفي النقيضين، بل نسكت عن هذا وهذا، فنمتنع عن كل من المتناقضين لا نحكم بهذا ولا بهذا، فلا نقول: ليس بموجود ولا معدوم، ولكن لا نقول هو موجود ولا نقول هو معدوم.

ومن الناس من يحكي نحو هذا عن الحلاج، وحقيقة هذا القول هو الجهل البسيط والكفر البسيط، الذي مضمونه الإعراض عن الإقرار بالله, ومعرفته, وحبه, وذكره, وعبادته, ودعائه (٩).

الدرجة الرابعة: أهل وحدة الوجود


(١) ((مجموع الفتاوى)) (٣/ ٧ - ٨).
(٢) ((الصفدية)) (١/ ٢٩٩، ٣٠٠).
(٣) ((مجموع الفتاوى)) (٣/ ٧)، ((شرح الأصفهانية)) (ص: ٥١ - ٥٢).
(٤) ((مجموع الفتاوى)) (٣/ ٨).
(٥) ((شرح العقيدة الأصفهانية)) (ص: ٧٦).
(٦) ((مجمع الفتاوى)) (٣/ ١٠٠).
(٧) ((مجموع الفتاوى)) (٣/ ٧ - ٨).
(٨) ((شرح العقيدة الأصفهانية)) (ص: ٧٦).
(٩) ((الصفدية)) (١/ ٩٦، ٩٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>