للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الأول: أدلة أهل السنة على هذا الأصل]

استدل أهل السنة على كون الشخص الواحد قد يجتمع فيه الإيمان وبعض شعب الكفر أو النفاق بأدلة من الكتاب والسنة، وبما هو واقع مشاهد لا يخفى على أحد. ومنها قول الله عز وجل: هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ [آل عمران: ١٦٧]، فأثبت لهم إيماناً وكفراً، غير أنهم أقرب إلى الكفر.

قال ابن كثير – رحمه الله -: (استدلوا به على أن الشخص قد تتقلب به الأحوال، فيكون في حال أقرب إلى الكفر، وفي حال أقرب إلى الإيمان) (١).

وقال الشيخ السعدي – رحمه الله -: (في هذه الآيات دليل على أن العبد قد يكون فيه خصلة كفر وخصلة إيمان. وقد يكون إحداهما أقرب من الأخرى) (٢).

وقوله تعالى: وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ [يوسف: ١٠٦].

قال ابن القيم رحمه الله: (أثبت لهم الإيمان به مع مقارنة الشرك، فإن كان مع هذا الشرك تكذيب لرسله، لم ينفعهم ما معهم من الإيمان بالله. وإن كان معه تصديق لرسله، وهم مرتكبون لأنواع من الشرك لا تخرجهم من الإيمان بالرسل واليوم الآخر، فهؤلاء مستحقون للوعيد أعظم من استحقاق أرباب الكبائر) (٣).

ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: ((أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن، كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب وإذا ائتمن خان وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر)) (٤).

فقوله ((ومن كانت فيه خصلة منهن، كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها)) تدل على اجتماع إيمان هذا الشخص مع شعبة من شعب النفاق دون أن يكون منافقاً خالصاً.

ومنها أحاديث الشفاعة، وأنه يخرج من النار من كان في قلبه ذرة من إيمان التي تدل على أنهم استحقوا النار بمعاصيهم – وهي من شعب الكفر – ثم استحقوا الجنة بإيمانهم.

ثم إن الواقع يؤكد على وجود مؤمنين اجتمع فيهم إيمان ونفاق، وطاعة وفجور، وسنة وبدعة، ولا ينكر هذا إلا مكابر.

قال الإمام ابن حزم – رحمه الله -: (هذا الذي أنكروه – أي أهل البدع لا نكرة فيه، بل هو أمر موجود مشاهد. فمن أحسن من وجه وأساء من وجه آخر، كمن صلى ثم زنى، فهو محسن محمود، ولي لله فيما أحسن فيه من صلاة، ومسيء مذموم عدو لله فيما أساء فيه من الزنا، قال الله عز وجل: وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا [التوبة: ١٠٢]. فبالضرورة ندري أن العمل الذي شهد الله عز وجل له أنه عمل صالح، فإنه عامله فيه محمود محسن مطيع لله. وأن العمل الذي شهد الله عز وجل أنه سيء، فإن عامله فيه مذموم مسيء عاص لله تعالى) (٥). الجهل بمسائل الاعتقاد وحكمه لعبد الرزاق بن طاهر معاش – ص: ١٥٣


(١) ((تفسير ابن كثير)) (١/ ٤٢٥).
(٢) ((تفسير السعدي)) (١/ ٤٥٤).
(٣) ((مدارج السالكين)) (١/ ٢٨٢).
(٤) رواه البخاري (٣٤)، ومسلم (٥٨). من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم.
(٥) ((الفصل)) لابن حزم (٣/ ٢٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>