للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الأول: قولهم في الإيمان]

أما أبو الحسن الأشعري - إمام الطائفة - فقد اشتهر عنه القولان: موافقة السلف، وموافقة جهم. فقد نصر قول السلف في كتابيه: مقالات الإسلاميين، والإبانة. قال في حكاية ما عليه أصحاب الحديث وأهل السنة: (ويقرون بأن الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، ولا يقولون: مخلوق، ولا غير مخلوق ... ولا يشهدون على أحد من أهل الكبائر بالنار، ولا يحكمون بالجنة لأحد من الموحدين حتى يكون الله سبحانه ينزلهم حيث شاء. ويقولون: أمرهم إلى الله إن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم. ويؤمنون بأن الله سبحانه يخرج قوما من الموحدين من النار، على ما جاءت به الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) (١).

ثم قال: (هذه جملة ما يأمرون به ويستعملونه ويرونه. وبكل ما ذكرنا من قولهم نقول، وإليه نذهب، وما توفيقنا إلا بالله، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وبه نستعين، وعليه نتوكل، وإليه المصير) (٢).

وقال في (الإبانة): فإن قال لنا قائل: قد أنكرتم قول المعتزلة والقدرية والجهمية والحرورية والرافضة والمرجئة فعرفونا قولكم الذي به تقولون وديانتكم التي بها تدينون. قيل له: قولنا الذي نقول به، وديانتنا التي ندين بها: التمسك بكتاب الله ربنا وبسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وما روي عن السادة الصحابة والتابعين وأئمة الحديث، ونحن بذلك معتصمون، وبما كان يقول به أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل نضر الله وجهه ورفع درجته وأجزل مثوبته قائلون، ولما خالف قوله مخالفون؛ لأنه الإمام الفاضل، والرئيس الكامل، الذي أبان الله به الحق، ودفع به الضلال، وأوضح به المنهاج، وقمع به بدع المبتدعين، وزيغ الزائغين، وشك الشاكين، فرحمة الله عليه من إمام مقدم، وجليل معظم، وكبير مفهم، وجملة قولنا أنا نقر بالله وملائكته وكتبه ورسله وبما جاءوا به من عند الله، وما رواه الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نرد من ذلك شيئا) ثم سرد جملة من الاعتقاد، ثم قال: (وأن الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، ونسلّم الروايات الصحيحة في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، التي رواها الثقات عدل عن عدل حتى تنتهي الرواية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) (٣).

وقال: ونقول: إن الإسلام أوسع من الإيمان، وليس كل إسلام إيمانا (٤).

فهذا قوله الموافق لأهل السنة، وأما قوله الآخر، فقد سبقت حكايته في قول شيخ الإسلام: (وقد ذكر الأشعري في كتابه الموجز قول الصالحي هذا وغيره ثم قال: والذي أختاره في الأسماء قول الصالحي) (٥).

وقول الصالحي -على ما حكاه الأشعري في المقالات- (أن الإيمان هو المعرفة بالله فقط، والكفر هو الجهل به فقط، فلا إيمان بالله إلا المعرفة به، ولا كفر بالله إلا الجهل به، وأن قول القائل: إن الله ثالث ثلاثة ليس بكفر، ولكنه لا يظهر إلا من كافر، وذلك أن الله سبحانه أكفر من قال ذلك، وأجمع المسلمون أنه لا يقوله إلا كافر. وزعموا أن معرفة الله هي المحبة له وهي الخضوع لله ... والإيمان عندهم لا يزيد ولا ينقص، وهو خصلة واحدة، وكذلك الكفر. والقائل بهذا القول أبو الحسين الصالحي) (٦).


(١) ((مقالات الإسلاميين)) (١/ ٣٤٧).
(٢) ((مقالات الإسلاميين)) (١/ ٣٥٠).
(٣) ((الإبانة)) (ص٥٢، ٥٩).
(٤) ((الإبانة)) (ص٥٧).
(٥) ((مجموع الفتاوى)) (٧/ ٥٤٤). وقال أبو المعين النسفي بعد نقل مذهب الصالحي: وقد قال الأشعري في بعض كتبه: إن الذي أختاره في الإيمان هو ما ذهب إليه الصالحي. ((تبصرة الأدلة)) (٢/ ٧٩٩).
(٦) ((المقالات)) (١/ ٢١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>