للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أربع وأربعون: الآثار الإيمانية لاسم الله السميع]

١) إثبات صفة السمع له سبحانه وتعالى كما وصف الله عز وجل نفسه. قال الأزهري رحمه الله: والعجب من قوم فسروا (السميع) بمعنى المسمع فراراً من وصف الله بأن له سمعاً، وقد ذكر الله الفعل في غير موضع من كتابه، فهو سميع ذو سمع، بلا تكييف ولا تشبيه بالسمع من خلقه، ولا سمعه كسمع خلقه ونحن نصف الله بما وصف به نفسه بلا تحديد ولا تكييف (١).

وقد بوب البخاري في صحيحه في كتاب التوحيد: باب (وكان الله سميعاً بصيراً).

قال ابن بطال: غرض البخاري في هذا الباب الرد على من قال إن معنى (سميع بصير) عليم، قال ويلزم من قال ذلك أن يسويه بالأعمى الذي يعلم أن السماء خضراء ولا يراها، والأصم الذي يعلم أن في الناس أصواتاً ولا يسمعها.

ولا شك أن من سمع وأبصر أدخل في صفة الكمال ممن انفرد بأحدهما دون الآخر، فصح أن كونه سميعاً بصيراً يفيد قدراً زائداً على كونه عليماً، وكونه سميعاً بصيراً يتضمن أنه يسمع بسمع ويبصر ببصر، كما تضمن كونه عليماً أنه يعلم بعلم ولا فرق بين إثبات كونه سميعاً بصيراً وبين كونه ذا سمع وبصر.

٢) إن سمع الله تبارك وتعالى ليس كسمع أحد من خلقه، فإن الخلق وإن وصفوا بالسمع والبصر كما في قوله تعالى إِنَّا خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا [الإنسان: ٢]، لكن هيهات أن يكون سمعهم وبصرهم كسمع وبصر خالقهم جل شأنه، قد نفى الرب سبحانه المشابهة عن نفسه بقوله لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى: ١١] لأن سمع الله وبصره مستغرق لجميع المسموعات والمرئيات لا يعزب عن سمعه مسموع وإن دق وخلفي سراً كان أو جهراً.

عن عائشة رضي الله عنها قالت: الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات. لقد جاءت المجادلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تكلمه وأنا في ناحية البيت ما أسمع ما تقول، فأنزل الله عز وجل قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ [المجادلة: ١] (٢).

وفي رواية: تبارك الذي وسع سمعه كل شيء (٣).

وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فكنا إذا علونا كبرنا. فقال: ((أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا، تدعون سميعاً بصيراً قريبا ... )) (٤).

قال ابن بطال: في هذا الحديث نفي الآفة المانعة من السمع، والآفة المانعة من النظر، وإثبات كونه سميعاً بصيراً قريباً، يستلزم أن لا تصح أضداد هذه الصفات عليه (٥).

وفي بيان الفرق بين سمع الخالق والمخلوق، يقول أبو القاسم الأصبهاني: خلق الإنسان صغيراً لا يسمع، فإن سمع لا يعقل ما يسمع، فإذا عقل ميز بين المسموعات فأجاب عن الألفاظ بما يستحق، وميز الكلام المستحسن من المستقبح، ثم كان لسمعه مدى إذا جاوزه لم يسمع، ثم إن كلمه جماعة في وقت واحد عجز عن استماع كلامهم، وعن إدراك جوابهم.


(١) ((النونية)) (٢/ ٢١٥).
(٢) رواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم بعد حديث (٧٣٨٥)، ورواه موصولاً النسائي (٦/ ١٦٨)، وابن ماجه (١٨٨)، وأحمد (٦/ ٤٦) (٢٤٢٤١). قال ابن عساكر في ((معجم الشيوخ)) (١/ ١٦٣)، وابن حجر في ((تغليق التعليق)) (٥/ ٣٣٩)، والألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)): صحيح.
(٣) رواه ابن ماجه (١٦٩١)، والحاكم (٢/ ٥٢٣). وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وقال ابن حجر في ((التلخيص الحبير)) (٢/ ١٢٦٤): أصله في البخاري من هذا الوجه إلا أنه لم يسمها.
(٤) رواه البخاري (٤٢٠٢)، ومسلم (٢٧٠٤).
(٥) ((الفتح)) (١٣/ ٣٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>