للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[- المؤمن]

يوصف الله عَزَّ وجَلَّ بأنه المؤمن، وهو اسم له ثابتٌ بالكتاب

الدليل من الكتاب: قوله تعالى: السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ [الحشر: ٢٣]

قال ابن قتيبة: ومن صفاته (المؤمن)، وأصل الإيمان: التصديق فالعبد مؤمن؛ أي: مصدِّق محقِّق، والله مؤمن؛ أي: مصدِّق ما وعده ومحقِّقه، أو قابل إيمانه وقد يكون (المؤمن) من الأمان؛ أي: لا يأمن إلا من أمَّنَه الله وهذه الصفة من صفات الله جَلَّ وعَزَّ لا تتصرَّف تصرُّف غيرها، لا يقال: أمن الله؛ كما يقال: تقدَّس الله، ولا يقال: يؤمن الله؛ كما يقال: يتقدَّس الله وإنما ننتهي في صفاته إلى حيث انتهى، فإن كان قد جاء من هذا شيء عن الرسول صلى الله عليه وعلى آله أو عن الأئمة؛ جاز أن يطلق كما أطلق غيره اهـ (١) وقال ابن منظور في (لسان العرب): المؤمن من أسماء الله تعالى الذي وحَّد نفسه؛ بقوله: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ [البقرة:١٦٣]، وبقوله: شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ [آل عمران:١٨]، وقيل: المؤمن الذي آمن أولياءَه عذابه، وقيل: المؤمن في صفة الله الذي أمِن الخلق من ظلمه، وقيل: المؤمن الذي يصدُق عبادَه ما وعدهم، وكل هذه الصفات لله عَزَّ وجَلَّ؛ لأنه صدق بقوله ما دعا إليه عباده من توحيد، وكأنه أمن الخلق من ظلمه، وما وعدنا من البعث والجنة لمن آمن به والنار لمن كفر به، فإنه مصدِّق وعده، لا شريك له وقال الزجاجي: المؤمن في صفات الله عَزَّ وجَلَّ على وجهين: أحدهما: أن يكون من الأمان؛ أي: يؤمن عبادَه المؤمنين من بأسهِ وعذابهِ، فيأمنونَ ذلك؛ كما تقول: (آمَنَ فلانٌ فلاناً)؛ أي: أعطاهُ أماناً ليسكنَ إليه ويأمنَ، فكذلك أيضاً يقال: اللهُ المؤمنُ؛ أي: يُؤْمِن عبادَه المؤمنين، فلا يأمن إلا منْ آمنه والوجه الآخر: أن يكون المؤمن من الإيمان، وهو التصديق، فيكون ذلك على ضربين: أحدهما: أن يقال: الله المؤمنُ؛ أي: مُصَدِّق عباده المؤمنين؛ أي: يصدِّقُهم على إيمانِهم، فيكون تصديقه إياهم قبول صدقِهِم وإيمانهم وإثابتهم عليه والآخر: أن يكون الله المؤمنُ؛ أي: مُصدقٌ ما وَعَدَهُ عباده؛ كما يقال: صَدَقَ فُلانٌ في قوله وصَدَّقَ؛ إذا كَررَ وبالغَ، يكون بمنْزلةِ ضَرَبَ وضَرَّبَ؛ فالله عَزَّ وجَلَّ مُصدقٌ ما وعد به عبادُهُ ومحققه فهذه ثلاثة أوجهٍ في المؤمن، سائغٌ إضافتها إلى الله ولا يصرفُ فعلُ هذه الصفة من صفاته عَزَّ وجَلَّ، فلا يقال: آمن الله؛ كما يقال: تقدسَ اللهُ، وتباركَ اللهُ، ولا يقال: اللهُ يؤمنُ؛ كما يقال: الله يحلم ويغفر، ولم يُستعمل ذلك؛ كما قيل: تباركَ الله، ولم يقل: هو متباركٌ، وإنما تستعمل صفاتهُ على ما استعملتها الأمة وأطلقتها (٢) صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص٢٦٨


(١) ((تفسير غريب القرآن)) (ص٩).
(٢) ((اشتقاق أسماء الله)) (ص٢٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>