للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الثاني: النهي بالوعظ والنصح والتخويف من الله تعالى]

وهذه الدرجة تتعلق غالباً في مرتكب المنكر العارف بحكمه في الشرع بخلاف الدرجة الأولى فهي في الغالب تستعمل للجاهل في الحكم.

فهذا يستعمل معه أسلوب الوعظ والنصح والتخويف من الله تعالى ويذكر له آيات الترهيب والوعيد، ولكن بأسلوب الحكمة والموعظة الحسنة يقول تعالى: ادْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ [النحل: ١٢٥].

ويقول تعالى: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ [عمران: ١٥٩].

وحتى لو كان عارفاً لهذه النصوص فلها تأثيرها وهذا يعتبر ذكرى. والله يقول وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ [الذاريات: ٥٥].

ويبين له ما أعد الله للطائعين، ويذكره بالموت وأنه ليس له وقت معين، بل يأتي بغتة، وربما جاء الإنسان وهو واقع في المعصية، فتكون خاتمته سيئة.

ويبين له أن هدفه من نصحه وإرشاده حبه له وخوفه عليه من عذاب يوم القيامة وأنه ما فعل ذلك إلا إشفاقاً عليه، حتى يطمئن له وتنفتح نفسه لسماع الموعظة وربما أعقب ذلك الإقلاع عما هو واقع به.

وينبغي أن يتدرج مع المنهي في الأحوال التالية:

١ - أن يذكر بعض النصوص من القرآن والسنة المخوفة للعاصين والمذنبين، وأقوال السلف في ذلك. ويختار من ذلك القصير شديد الوقع في النفس.

٢ - تذكيره بالأمم والطوائف والأشخاص الذين وقعوا في المعصية وحل عليهم غضب الله وعذابه. والشواهد في الكتاب والسنة كثيرة جداً.

٣ - أن يذكره أن للذنوب سلبيات كثيرة، وأن ما يصيب الإنسان في نفسه وأهله وماله بسبب الذنوب.

ورد عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لا يزيد العمر إلا البر، ولا يرد القدر إلا الدعاء، وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه)) (١).

وقوله تعالى: وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ [الشورى: ٣٠].

وغير ذلك من النصوص والآثار التي تبين عقوبة المعاصي في الدنيا والآخرة.

٤ - محاولة ذكر الأدلة والشواهد الخصوصية إن كان يعرف ذنبه بشكل خاص. فإذا كان معروفاً بشرب الخمر ركز على عقوبة شارب الخمر والآثار الواردة في ذلك والعقوبات المترتبة عليه في الدنيا والآخرة. ثم ينتقل إلى الوعظ بشكل عام.

وليحرص كل الحرص أن تكون الموعظة سراً بينه وبينه حتى لا تأخذه العزة بالإثم فيرفض قبولها، وحتى يعلم بحق أنه ليس للناهي هدف سوى النصيحة والإشفاق عليه فقط.

ذكر ابن عبد البر في كتابه بهجة المجالس: عن مسعر بن كدام قال: (رحم الله من أهدى إلي عيوبي في ستر بيني وبينه فإن النصيحة في الملأ تقريع) (٢).

وروى الحافظ أبو نعيم في الحلية –بسنده- عن مرة بن شرحبيل قال: سئل سلمان بن ربيعة عن فريضة فخالفه عمرو بن شرحبيل. فغضب سلمان بن ربيعة ورفع صوته فقال عمرو بن شرحبيل: والله لكذلك أنزلها الله تعالى فأتيا أبا موسى الأشعري فقال: القول ما قاله أبو ميسرة. وقال لسلمان ينبغي لك أن لا تغضب إن أرشدك رجل. وقال لعمرو: قد كان ينبغي لك أن تساوره يعني تساوره ولا ترد عليه والناس يسمعون (٣).

فينبغي للناهي عن المنكر أن يستخدم السبل التي تعين صاحب المنكر على أن يقلع عن معصيته. والله أعلم. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لعبد العزيز بن أحمد المسعود – ص ٥٢١


(١) رواه ابن ماجه (٣٢٦٤)، وأحمد (٥/ ٢٧٧) (٢٢٤٤٠)، والحاكم (١/ ٦٧٠). وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وحسن إسناده البوصيري في ((زوائد ابن ماجه)) (٤/ ١٨٧)، وقال المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (٣/ ٢٨٩): إسناده صحيح، وقال ابن مفلح في ((الآداب الشرعية)) (١/ ٤٠٩): [رواته] كلهم ثقات، وحسنه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) دون قوله: ((وإن الرجل)).
(٢) ((بهجة المجالس)) ابن عبد البر (١/ ٤٧).
(٣) ((حلية الأولياء وطبقات الأصفياء)) م٢ (٤/ ١٤٢، ١٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>