للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفرع الأول: أقسام المصلحة من حيث اعتبار الشارع وعدمه (١)

تنقسم المصلحة من هذه الحيثية إلى ثلاثة أقسام وهي:

١ - ما نص الشارع على اعتبارها فهي الشرعية، كمصلحة حفظ الدين والتي تقوم بنشر العلم الشرعي النافع والدعوة إلى الدين علماً وعملاً بالقلم واللسان والسيف والسنان؛ وكذلك تحريم كل ما يضعفه أو يضاده من العلوم الرديئة والأعمال المنحرفة .. والمظاهر المخالفة .. ولذا جاء تحريم التصوير ولعن المصورين، كما حرم رفع القبور وتجصيصها والبناء عليها والكتابة فكل مأمورات الشرع داخلة في هذا وكذا نواهيه.

٢ - ما قام الشارع بإلغائه وعدم اعتباره، كمصلحة المرأة في مساواتها بالرجل في الميراث .. ويدخل في هذا القسم كل ما علم أن الشارع ألغى اعتباره، وإن رأى الإنسان بعقله القاصر أنه مصلحة؛ فهو ليس كذلك لمصادمته الشرع أو إخلاله بمقصد من مقاصده، أو لكونه معارضاً لمصلحة أعظم.

٣ - ما سكت عنه الشارع فلم يرد طلبه ولا إلغاؤه .. وهذا النوع هو ما يسمى بالمصالح المرسلة .. ولها شروط وضوابط وتفاصيل ليس هذا موضعها.

ثم إن المصلحة الشرعية الدنيوية (وهي الواقعة في الحياة الدنيا) من عبادات ومعاملات .. لابد وأن يشوبها شيء من المفسدة .. للحوق المشقة بها سواء كانت على وجه التقدم عليها أو المقارنة أو التأخر عنها.

فالمصلحة في هذه الدار راجحة غالبة لا خالصة، بخلاف الأخروية –وهي نعيم أهل الجنة- فإنها خالصة لا كدر فيها.

وقد تعارض المصلحة الشرعية بمصلحة مرجوحة فتكون غالبة، وقد لا يعارضها غيرها فتكون راجحة كما سيأتي.

ومقصود الشارع إنما هو المصلحة الراجحة – الواقعة في الدنيا – وكذلك الخالصة وهي الواقعة في الآخرة كما تقدم.

ثم إن المصالح الشرعية تتفاوت قوة وضعفاً بحسب متعلقها ... فهي لا تخلو من أن تكون ضرورية أو حاجية أو تحسينية ..

فالضرورية هي التي لابد من توفرها لقيام حياة الناس على الوجه المستقيم دون اضطراب كالمحافظة على الدين –وهو أعلاها- بتثبيت دعائمه ورفع ما يضاده .. وكالمحافظة على العقل وسلامته ومقاومة ما يفسده من مسكر ومخدر حسي أو معنوي؛ وكالمحافظة على الأعراض والأنساب ودفع كل ما يعترضها من فساد بأي صورة كان، سواء عن طريق مقارفة الفواحش، أو ما يجر إليها كالسفور والتبرج واللحن بالقول والخضوع فيه .. وكنشر الصور والمجلات الرديئة أو الأفلام والأغاني الماجنة؛ وكذا حفظ النفوس والمحافظة على سلامتها، ولذا حرم كل ما يضر البدن كالدخان والميتة وأنواع السموم ونحوها من الأمور الضارة.

وكذا حفظ المال وبقائه بأن شرع أنواع العقود المباحة، وبين طرق أخذ المال وإنفاقه .. وحرم الربا وغيره من المحرمات المتعلقة بالمعاملات المالية .. كما تقدم.

والمصالح الحاجية هي التي يفتقر إليها الناس لرفع الحرج والضيق عنهم؛ أما التحسينية فكالأخذ بمحاسن الأمور والجري على مكارم الأخلاق، ومن فروع ذلك خصال الفطرة كإعفاء اللحية وقص الشارب وكتحريم المستقذرات.

فالأكل منه ما لابد منه في قيام حياة الإنسان فهو ضروري، ومنه ما لو ترك لوقع الإنسان في ضرر وحرج لكنه لا يلحق به العطب فهو حاجي، وما زاد فهو تحسيني.

وعمل المحتسب يتعلق بجميع مراتب المصلحة وصورها الشرعية.

هذا وقد تكون المصالح عامة لأغلب الناس أو جميعهم، وقد تكون خاصة وقاصرة على بعض الأفراد أو الجهات.

وهي باعتبار التغير والثبات على قسمين:

الأولى: ثابتة، كالواجبات الشرعية وتحريم المحرمات.

الثانية: متغيرة حسب الأحوال زماناً ومكاناً، فتكون خاضعة للاجتهاد، كمقادير التعزيرات وكاتخاذ الدواوين .. ومن ذلك أيضاً اختلاف بعض أساليب الدعوة والتي لا يشوبها مخالفة للشرع كاتخاذ الكتب والمجلات والأشرطة والرحلات وغير ذلك من الأساليب المباحة بشرط عدم المخالفة.

أما باعتبار الوقوع فهي قسمان:

الأولى: قطعية الوقوع أو ما يقارب ذلك.

الثانية: ظنية الوقوع وهي ما يكون وقوعها جائزاً أو كثيراً لكن لا يصل إلى درجة اليقين أو ما يقاربه. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لخالد بن عثمان السبت – ص: ٢٣٠


(١) انظر: ((مذكرة أصول الفقه)) (ص: ١٦٨ - ١٧٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>