للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثالث: عقائد الناس في الجن]

انقسم الناس قديماً وحديثاً في أمر الجن إلى مذاهب شتى، فما بين مثبت لوجودهم، أو منكر، أو مؤول لهم بشتى التأويلات الفاسدة، أو مغالٍ في قدرتهم وسلطانهم في الأرض، إلى غير ذلك من المذاهب والتصريفات المختلفة في شأن هذا المخلوق.

ويمكن إجمال هذه المذاهب فيما يلي: ...

١ - مذهب أهل السنة والجماعة:

الذي عليه أهل السنة والجماعة من المسلمين وهو إثبات وجود مخلوقات غائبة عن حواسنا تسمى الجن، وأنها لا تظهر إلا أذا تشكلت في صور غير صورها في بعض الأحوال ولبعض الناس، وأنها مخلوقات عاقلة مكلفة بالتكاليف الشرعية على نحو ما عليه البشر، وأنهم يأكلون, ويشربون, ويتناكحون ولهم ذرية، قال ابن حزم: (لكن لما أخبرت الرسل الذين شهد الله عز وجل بصدقهم بما أبدى على أيديهم من المعجزات المحلية للطبائع بنص الله عز وجل وعلى وجود الجن في العالم، وجب ضرورة العلم بخلقهم ووجودهم، وقد جاء النص بذلك وبأنهم أمة عاقلة مميزة، متعبدة، موعودة متوعدة، متناسلة، يموتون. وأجمع المسلمون كلهم على ذلك) (١).

ويقول ابن تيمية: (لم يخالف أحد من طوائف المسلمين في وجود الجن ولا في أن الله أرسل محمداً صلى الله عليه وسلم إليهم .. إلى أن يقول: وهذا لأن وجود الجن تواترت به أخبار الأنبياء تواتراً معلوماً بالاضطرار، ومعلوم بالاضطرار أنهم أحياء عقلاء فاعلون بالإرادة، بل مأمورون منهيون، ليسوا صفات وأعراضاً قائمة بلإنسان أو غيره كما يزعم بعض الملاحدة) (٢). ويقول ابن حجر الهيتمي: (وأما الجان فأهل السنة والجماعة يؤمنون بوجودهم) (٣).

وقد تقدم كثير من الأدلة التي يستند إليها أهل السنة والجماعة في إثبات وجود الجن، سواء كانت هذه الأدلة مأخوذة من القرآن أو السنة، بالإضافة إلى دلالة الإجماع على ذلك ...

٢ - مذهب جمهور الكفار:

كعامة أهل الكتاب والمجوس، وجمهور الكنعانيين, واليونانيين, والرومان, والهنود القدماء, وعامة مشركي العرب: الإقرار بوجود الجن، مع انحراف في تصورهم عن هذا المخلوق.

هذه الطوائف المختلفة أقرت بوجود الجن، ولكن إقرارهم هذا صاحبه تصورات فاسدة ومنحرفة، فمنهم من اعتبر أن الجن شركاء لله في الخلق والتدبير، ومنهم من اعتبر أن للجن سلطاناً في الأرض, وأنهم يعلمون الغيب، ومنهم من أثبت أخوة بين الله وإبليس - تعالى الله عن ذلك- إلى غير ذلك من التصورات المنحرفة .. عالم الجن في ضوء الكتاب والسنة لعبد الكريم عبيدات - ص٩٠

٣ - مذهب أكثر الفلاسفة والأطباء وجماعة من القدرية:

والمعتزلة والجهمية، وكافة الزنادقة قديماً وحديثاً: إنكار الجن، بالإضافة إلى نفر قد أولوا النصوص الدالة على وجود الجن تأويلاً يدل على إنكارهم، كما سيأتي:

قال الإمام القرطبي: (وقد أنكر جماع من كفرة الأطباء والفلاسفة الجن وقالوا: إنهم بسائط، ولا يصح طعامهم، اجتراء على الله وافتراء، والقرآن والسنة ترد عليهم) (٤) وقال ابن تيمية: (وجمهور طوائف الكفار على إثبات الجن، أما أهل الكتاب من اليهود والنصارى فهم مقرون بهم كإقرار المسلمين, وإن وجد فيهم من ينكر ذلك، وكما يوجد في المسلمين من ينكر ذلك، كما يوجد في طوائف المسلمين كالجهمية والمعتزلة من ينكر ذلك، وإن كان جمهور الطائفة وأئمتها مقرين بذلك) (٥).

والملاحدة والمتفلسفة يجعلون الملائكة قوى النفس الصالحة، والشياطين قوى النفس الخبيثة (٦) ...


(١) ((الفصل في الملل والأهواء والنحل)) (٥/ ١٢).
(٢) ((مجموع الفتاوى)) (١٩/ ٩).
(٣) ((الفتاوى الحديثية)) (ص: ١٢٣).
(٤) ((تفسير القرطبي)) (١٩/ ٦).
(٥) ((مجموع الفتاوى)) (١٩/ ١٠) و ((ايضاح الدلالة في عموم الرسالة)) (٤).
(٦) ((مجموع الفتاوى)) (٤/ ٣٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>