للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[- المؤمن]

المعنى اللغوي (للمؤمن):

له معنيان:

الأول: المصدق. قال الزجاج: (أصل الإيمان: التصديق والثقة. وقال الله عز وجل: وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا [يوسف: ١٧]، أي: لفرط محبتك ليوسف لا تصدقنا) (١).

الثاني: (من الأمان كما يقول: آمن فلان فلانا أي: أعطاه أمانا ليسكن إليه ويأمن، فكذلك أيضاً: (الله المؤمن) أي: يؤمن عباده المؤمنين فلا يأمن إلا من آمنه) (٢).

معنى هذا الاسم الكريم في حق الله تعالى:

أولاً: تعلقه بالمعنى الأول (المصدق): ومن معانيه في حق الله – عز وجل – ما يلي:

١ - أنه يصدق نفسه بتوحيده وصفاته، كما قال عز من قائل: شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ [آل عمران: ١٨].

فقد شهد سبحانه لنفسه بالوحدانية، وهذه الشهادة أعظم شهادة: قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً [الأنعام: ١٩]، فليس فوق شهادة الله شهادة، فهي أعظم من شهادة ملائكته، ورسله، وأنبيائه، ومخلوقاته له بالشهادة.

٢ - تصديق الله رسله وأنبياءه وأتباعهم، فمن ذلك ما أنزله الله من الآيات البينات التي دلت على صدقهم، ومن ذلك ما يظهره على أيدي المؤمنين، ومنها: ما يريه أعداءه من نصرة المؤمنين، فقد يرى الكفرة الملائكة تقاتل مع المؤمنين، ومنها: أن الكفرة قد يدعون الله أن ينصر المحق، فينصر الله المؤمنين، وغير ذلك مما يصدق به رسله وأتباعهم. ومن ذلك: إيقاع العذاب بالمجرمين والطغاة، أعداء الرسل فإن وقوع العذاب بهم تصديق من الله – عز وجل – لرسله.

٣ - تصديق الله عباده المؤمنين في يوم الدين، فالله يسأل الناس في يوم القيامة، ويصدق المؤمنين بإيمانهم، ويكذب الكفرة والمجرمين، فيشهد عليهم أعضاءهم، فتشهد. ويصدق المؤمنين ما وعدهم به من الثواب، ومصدق ما أوعدهم من العقاب (٣).

يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: (المصدق الذي يصدق الصادقين بما يقيم له من شواهد صدقهم، فهو الذي صدق رسله وأنبياءه فيما بلغوا عنه؛ وشهد لهم بأنهم صادقون بالدلائل التي دل بها على صدقهم – قضاء وخلقاً – فإنه سبحانه أخبر وخبره الصدق؛ وقوله الحق: أنه لابد أن يري العباد من الآيات الأفقية والنفسية ما يبين لهم أن الوحي الذي بلغته رسله، فقال تعالى: سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ [فصلت: ٥٣]، أي: القرآن، فإنه هو المتقدم في قوله: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُم بِهِ [فصلت: ٥٢].

ثم قال: أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [فصلت: ٥٣]، فشهد سبحانه لرسوله بقوله أن ما جاء به حق، ووعده أن يرى العباد من آياته الخلقية ما يشهد بذلك أيضاً، ثم ذكر ما هو أعظم من ذلك وأجل؛ شهادته – سبحانه – على كل شيء) (٤).

ويقول الشيخ السعدي رحمه الله تعالى: (المؤمن: الذي أثنى على نفسه بصفات الكمال، وبكمال الجلال، والجمال الذي أرسل رسله وأنزل كتبه بالآيات والبراهين، وصدق رسله بكل آية وبرهان، ويدل على صدقهم وصحة ما جاءوا به) (٥).

ثانياً: تعلقه بالمعنى الثاني المشتق من (الأمان): وفيه من المعاني ما يلي:

١ - أنه الذي يؤمن خلقه من ظلمه وقد ذكر هذا المعنى ابن جرير في تفسيره وقال: (قال الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما (المؤمن) أي: أمن خلقه من أن يظلمهم) (٦).


(١) ((تفسير الأسماء)) (ص: ٣١).
(٢) ((اشتقاق أسماء الله تعالى)) (ص: ٣٨٥).
(٣) أنظر: ((أسماء الله الحسنى)) للأشقر (ص: ٦٤، ٦٥).
(٤) ((مدارج السالكين)) (٣/ ٤٦٦).
(٥) ((تفسير السعدي)) (٥/ ٣٠١).
(٦) ((تفسير الطبري)) (٢٨/ ٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>