للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث السادس: الأنبياء أفضل البشر]

الأنبياء هم أفضل البشر على الإطلاق، هذه هي دلالة الكتاب والسنة والإجماع والنظر الصحيح.

أما الكتاب:

فقد قال سبحانه وتعالى مبيناً مراتب أوليائه: وَمَن يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا [النساء: ٦٩].

فالله قد رتب عباده السعداء المنعم عليهم أربع مراتب وبدأ بالأعلى منهم وهم النبيون، وقد ورد في سبب نزول هذه الآية أن بعض الصحابة رضوان الله عليهم قد شق عليهم أن النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة يرفع مع النبيين في الدرجات العلا فتكون منزلتهم دون منزلته فلا يصلون إليه ولا يرونه ولا يجالسونه، فنزلت الآية (١) مبينة أن من أطاع الله ورسوله يكون من نعيمه في الجنة أن يتمكن من مجالسة الأنبياء ورؤيتهم وزيارتهم، فلا يفوته ذلك ولذلك قال سبحانه: وَمَن يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم وقال: وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا وهذه المعية والرفقة لا تعني تساويهم في الدرجة، بل هم متفاوتون، لكنهم يتزاورون ويتجالسون ويأنسون بقربهم كما كانوا في الدنيا، وهذا بفضل الله لاتباعهم الأنبياء, واقتدائهم بهم.

فالآية نص في تفضيل الأنبياء على البشر فهم أفضل أولياء الله وأرفعهم درجة على الإطلاق.

وذكر سبحانه جملة من الأنبياء في آيات من سورة الأنعام ثم قال في آخرها: وَكُلاًّ فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ [الأنعام: ٨٦]. قال ابن سعدي في تفسير الآية: (وكلاًّ من هؤلاء الأنبياء والمرسلين فضلنا على العالمين، لأن درجات الفضائل أربع وهي التي ذكرها الله بقوله: وَمَن يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا فهؤلاء من الدرجة العليا) (٢).

وقال سبحانه وتعالى: إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ [آل عمران: ٣٣]. قال الرازي مبيناً وجه الترابط بين هذه الآية والآيات قبلها: (اعلم أنه تعالى لما بين أن محبته لا تتم إلا بمتابعة الرسل بين علو درجات الرسل وشرف مناصبهم) (٣). وقال في معرض تفسيره للآية: (بين تعالى أنه اصطفى آدم وأولاده من الأنبياء على كل العالمين) (٤).

فالآية في ذكر الأنبياء خاصة وإن قيل في تفسير لفظ (الآل) فيها بأن المقصود به سائر المؤمنين من ذرية إبراهيم, وعمران, أنبياء وغير أنبياء، ويشهد لتخصيصها الأنبياء فقط, وأنهم هم المعنيون بتفضيلهم على العالمين دون غيرهم أمور:

١ - قوله سبحانه: إِنَّ اللهَ اصْطَفَى والمراد الاصطفاء بالنبوة كما قاله الحسن وغيره (٥). وكذا قد ورد الاصطفاء مراداً به الاصطفاء بالنبوة في عدد من آيات الكتاب عند ذكر النبيين، كقوله سبحانه: اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلا وَمِنَ النَّاسِ [الحج: ٧٥]. وقوله في موسى: قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي [الأعراف: ١٤٤]. وقوله: وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ.


(١) ((تفسير الطبري)) (٥/ ١٠٤) و ((حلية الأولياء)) (٤/ ٢٤٠ و٨/ ١٢٥) و ((أسباب النزول للواحدي)) (ص: ٩٤) و ((الدر المنثور)) (٢/ ١٨٢) و ((لباب النقول – بهامش الجلاليين -)) (ص: ١٧٤).
(٢) ((تيسير الكريم الرحمن)) (٢/ ٢٠٠).
(٣) ((تفسير الرازي)) (٨/ ١٩).
(٤) ((تفسير الرازي)) (٨/ ٢٠).
(٥) ((تفسير الطبري)) (٣/ ١٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>