للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ثانيا: الآثار الإيمانية لاسم الله الجميل]

إن التعبد باسمه الجميل يقتضي محبته والتأله له، وأن يبذل العبد له خالص المحبة وصفو الوداد، بحيث يسيح القلب في رياض معرفته, وميادين جماله، ويبتهج بما يحصل له من آثار جماله وكماله، فإن الله ذو الجلال والإكرام (١) ...

عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله جميل يحب الجمال)) (٢).

فائدة مهمة: يشرع الدعاء للغير بالجمال، تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم. عن عمرو بن أخطب رضي الله عنه قال: استسقى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتيته بإناء فيه ماء وفيه شعرة، فرفعتها فناولته، فنظر إلي (رسول الله) صلى الله عليه وسلم، فقال: ((اللهم جمله)). قال: فرأيته وهو ابن ثلاث وتسعين، وما في رأسه ولحيته شعرة بيضاء. (٣)

وعنه رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح وجهه، ودعا له بالجمال (٤). نسأل الله جل وعلا أن يجمل قلوبنا وألسنتنا وأعمالنا. الأسماء الحسنى والصفات العلى لعبد الهادي بن حسن وهبي – ص: ١١٤

أن المؤمن عندما يدرك اتصافه تعالى بالجمال فإنه يحرص على معرفة ربه تعالى بهذا الجمال الذي بهر القلوب والعقول فكان كل جمال في الوجود من آثار صنعته، فما الظن بمن صدر عنه هذا الجمال؟ قال الإمام ابن القيم: من أعز أنواع المعرفة معرفة الرب سبحانه بالجمال وهي معرفة خواص الخلق، وكلهم عرفه بصفة من صفاته، وأتمهم معرفة من عرفه بكماله وجلاله، وجماله سبحانه ليس كمثله شيء في سائر صفاته، ولو فرضت الخلق كلهم على أجملهم صورة وكلهم على تلك الصورة، ونسبت جمالهم الظاهر والباطن إلى جمال الرب سبحانه لكان أقل من نسبة سراج ضعيف إلى قرص الشمس، ويكفي في جماله: (أنه لو كشف عن وجهه لأحرقت سبحاته ما انتهى إليه بصره من خلقه)، ويكفي في جماله أن كل جمال ظاهر وباطن في الدنيا والآخرة فمن آثار صنعته فما الظن بمن صدر عنه هذا الجمال، ويكفي في جماله أنه له العزة جميعاً، والقوة جميعاً، والجود كله والإحسان كله، والعلم كله، والفضل كله، والنور كله، وجهه أشرقت له الظلمات كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء الطائف: ((أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة)) (٥).

ولقد ضل في مفهوم الجمال أقوام قال عنهم الإمام ابن القيم:

ولكن ضل في هذا الموضوع فريقان: فريق قالوا كل ما خلقه جميل، فهو يحب كل ما خلقه، ونحن نحب جميع ما خلقه فلا ينبغي منه شيئا، قالوا: ومن رأى الكائنات منه رآها كلها جميلة وأنشد منشدهم:

وإذا رأيت الكائنات بعينهم ... فجميع ما يحوي الوجود مليح


(١) ((المجموعة الكاملة)) (٣/ ٢٢٨).
(٢) رواه مسلم (٩١).
(٣) رواه أحمد (٥/ ٣٤٠) (٢٢٩٣٢)، وابن حبان (١٦/ ١٣٢) (٧١٧٢)، والحاكم (٤/ ١٥٥)، والطبراني (١٧/ ٢٨) (١٣٧٣٥). قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (٩/ ٣٨١): رواه أحمد والطبراني إلا أنه قال: ستون سنة، وإسناده حسن، وحسنه ابن حجر في ((الفتوحات الربانية)) (٥/ ٢٥٦).
(٤) رواه أحمد (٥/ ٣٤١) (٢٢٩٤١)، وأبو يعلى (١٢/ ٢٤٠) (٦٨٤٧)، وابن حبان (١٦/ ١٣١) (٧١٧١). وصححه الألباني في ((صحيح الموارد)) (١٩٣٢)، والوادعي في ((الصحيح المسند)) (١٠٠٢).
(٥) رواه ابن عدي في ((الكامل في الضعفاء)) (٧/ ٢٦٩)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (٤٩/ ١٥٢). من حديث عبدالله بن جعفر رضي الله عنهما. قال ابن عدي: لم نسمع أن أحدا حدث بهذا الحديث غير أبي صالح الراسبي، وضعفه الألباني في ((سلسلة الأحاديث الضعيفة)) (٢٩٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>