للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الثاني: أنواع التفويض]

نبه شيخ الإسلام رحمه الله إلى لونين من التفويض فقال: (وهؤلاء أهل التضليل والتجهيل الذين حقيقة قولهم: إن الأنبياء وأتباع الأنبياء جاهلون ضالون، لا يعرفون ما أراد الله بما وصف به نفسه من الآيات وأقوال الأنبياء.

ثم هؤلاء منهم من يقول: المراد بها خلاف مدلولها الظاهر والمفهوم. ولا يعرف أحد من الأنبياء, والملائكة, والصحابة, والعلماء ما أراد الله بها، كما لا يعلمون وقت الساعة.

ومنهم من يقول: بل تجري على ظاهرها، وتحمل على ظاهرها، ومع هذا فلا يعلم تأويلها إلا الله. فيتناقضون حيث أثبتوا لها تأويلاً يخالف ظاهرها، وقالوا – مع هذا – إنها تحمل على ظاهرها. وهذا ما أنكره ابن عقيل على شيخه القاضي أبي يعلى في كتاب (ذم التأويل)) (١).

وكلا اللونين تفويض للعلم بالمعنى، والفرق بينهما أن الأولين يعتقدون بأن ظواهر النصوص مقتضية للتشبيه، فيبادرون بنفيها، ويحيلون على معنى مجهول لا يعلمه إلا الله. والآخرين يعتقدون بأن الظواهر لا تقتضي التشبيه، ويحكمون بوجوب إجرائها على ظواهرها، لكن دون أن يبينوا المعنى الواجب فهمه من تلك الظواهر، بل يحيلون إلى معنى مجهول لا يعلمه إلا الله. وهذا وجه تناقضهم.

ويفسر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وقوع هذين الاتجاهين من التفويض لبعض الأفاضل فيقول في ذكر أنواع النفاة: (ونوع ثالث: سمعوا الأحاديث والآثار، وعظموا مذهب السلف، وشاركوا المتكلمين الجهمية في بعض أصولهم الباقية، ولم يكن لهم من الخبرة بالقرآن والحديث والآثار ما لأئمة السنة والحديث، لا من جهة المعرفة والتمييز بين صحيحها وضعيفها، ولا من جهة الفهم لمعانيها، وقد ظنوا صحة بعض الأصول العقلية للنفاة الجهمية، ورأوا ما بينهما من التعارض. وهذا حال أبي بكر بن فورك، والقاضي أبي يعلى، وابن عقيل وأمثالهم.

ولهذا كان هؤلاء تارة يختارون طريقة أهل التأويل، كما فعله ابن فورك وأمثاله في الكلام على مشكل الآثار.

وتارة يفوضون معانيها، ويقولون: تجري على ظواهرها، كما فعله القاضي أبو يعلى وأمثاله في ذلك. وتارة يختلف اجتهادهم، فيرجحون هذا تارة وهذا تارة كحال ابن عقيل وأمثاله) (٢) ...

نسبة التفويض إلى السلف:

من الأخطاء الفاحشة في تاريخ العقيدة الإسلامية نسبة القول بالتفويض إلى مذهب السلف الصالح، وتوارث هذه الفكرة الخاطئة جيلاً بعد جيل، إلى وقتنا الحاضر حتى صارت لدى كثير من الناس من المسلمات التي لا يتطرق إليها الجدل والمقدمات التي ترتب عليها النتائج. مذهب أهل التفويض في نصوص الصفات لأحمد بن عبدالرحمن القاضي – ص ١٥٦


(١) ((درء تعارض العقل والنقل)) (١/ ١٥ - ١٦).
(٢) ((درء تعارض العقل والنقل)) (٧/ ٣٤ - ٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>