للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الأول: تعريف الشرك الأصغر]

وأما الشرك الأصغر فهو: كل ما كان ذريعة إلى الأكبر ووسيلة للوقوع فيه، ونهى عنه الشرع وسماه شركاً (١)، ولا يخرج من الملة. وهو قد يكون في الأعمال، ومن ذلك يسير الرياء كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم ((أخوف ما أخاف على أمتي الشرك الأصغر – فسئل عنه فقال: الرياء)) (٢)، وقد يكون في الأقوال: ومنه الحلف بغير الله كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: ((من حلف بغير الله فقد أشرك)) (٣)، وقد يصير الشرك الأصغر شركاً أكبر بحسب ما يقوم بقلب صاحبه. منهج أهل السنة والجماعة ومنهج الأشاعرة في توحيد الله تعالى لخالد عبد اللطيف– ١/ ٩٣

فقد جاء في تعريفه عبارات عدة، منها:

١ - (أنه كل وسيلة وذريعة يتطرق بها إلى الأكبر) (٤).

وينتقض هذا التعريف بأنه غير مانع؛ إذ إن هذا التعريف يصدق على الكبائر من الذنوب.

٢ - (وهو جميع الأقوال والأفعال التي يتوسل بها إلى الشرك يعد من الشرك, كالغلو في المخلوق الذي لا يبلغ رتبة العبادة؛ كالحلف بغير الله ويسير الرياء ونحو ذلك) (٥).

وهذا التعريف أيضاً غير جامع ولا مانع؛ إذ إنه يصدق على كبائر الذنوب، ثم ليس كل ما يتوسل به إلى الشرك يعد من الشرك الأصغر، كالتوسل إلى الله بذوات الصالحين ونحو ذلك.

٣ - (هو كل ما نهى عنه الشرع مما هو ذريعة إلى الشرك الأكبر ووسيلة للوقوع فيه, وجاء في النصوص تسميته شركاً) (٦).

فيه ما سبق من الاعتراضات، ثم ليس كل شرك أصغر جاء في النصوص تسميته شركاً، فهناك أفراد من الشرك الأصغر لم يأت تسميتها في النصوص شركاً.

٤ - (هو تسوية غير الله بالله في هيئة العمل، أو أقوال اللسان، فالشرك في هيئة العمل هو الرياء، والشرك في أقوال اللسان: هو الألفاظ التي فيها معنى التسوية بين الله وغيره، كقوله: ما شاء الله وشئت، ... وقوله: عبد الحارث ونحو ذلك) (٧).

٥ - (هو مراعاة غير الله تعالى معه في بعض الأمور) (٨).

٦ - لا يعرف، وإنما يذكر بالأمثلة (٩).

وهذا الأخير هو ما أرتضيه؛ لأن تعريف مثل هذا النوع من الشرك غير منضبط لكثرة أفراده وتنوعه.

مصدر تسمية هذا النوع من الشرك بالشرك الأصغر:

جاءت نصوص الشرع بتسميته شركاً أصغر، ومما يدل عليه الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن محمود بن لبيد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر) قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: ((الرياء، يقول الله تعالى يوم القيامة، إذا جازى الناس بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا، فانظروا هل تجدون عندهم جزاء)) (١٠).

فثبتت هذه التسمية بنص الحديث.

وهكذا ثبتت هذه التسمية في لسان الصحابة، ومن ذلك ما رواه شداد بن أوس، وقال: (كنا نعد الرياء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الشرك الأصغر) (١١). الشرك في القديم والحديث لأبو بكر محمد زكريا– ١/ ١٦٠


(١) انظر: ((تيسير العزيز الحميد)) (ص: ٤٥)، و ((الفتوى رقم ١٦٥٣ بتاريخ ٢٢/ ٨/١٣٩٧هـ من فتاوى اللجنة الدائمة بمجلة البحوث الإسلامية عدد رقم ٢٠)) – (ص: ١٥١).
(٢) رواه الطبراني (٤/ ٢٥٣) (٤٣٠١). من حديث رافع بن خديج رضي الله عنه. قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (١٠/ ٢٢٥): رجاله رجال الصحيح، غير عبد الله بن شبيب بن خالد، وهو ثقة.
(٣) رواه أبو داود (٣٢٥١)، والترمذي (١٥٣٥)، وأحمد (٢/ ١٢٥) (٦٠٧٢)، وابن حبان (١٠/ ١٩٩) (٤٣٥٨)، والحاكم (١/ ٦٥). والحديث سكت عنه أبو داود، وقال الترمذي: هذا حديث حسن، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، وصحح إسناده عبدالحق الإشبيلي في ((الأحكام الصغرى)) (٧٣٥).
(٤) عبد العزيز المحمد السلمان، ((الكواشف الجلية)) (ص: ٣٢١).
(٥) عبد الرحمن بن ناصر السعدي: ((القول السديد في مقاصد التوحيد)) (ص: ١٥).
(٦) انظر: ((فتاوى اللجنة الدائمة)) (١/ ٥١٧)، وما ذكره عواد بن عبد الله المعتق: ((مجلة البحوث الإسلامية)) (٣٧/ ٢٠٤).
(٧) إبراهيم بن محمد البريكان ((المدخل لدراسة العقيدة الإسلامية)) (ص: ١٢٦، ١٢٧).
(٨) الراغب الأصفهاني: ((المفردات)) (ص: ٢٦٠).
(٩) كما يفهم من صنيع ابن القيم في ((مدارج السالكين)) (١/ ٣٤٤).
(١٠) رواه أحمد (٥/ ٤٢٨) (٢٣٦٨٠)، والمنذري (١/ ٣٤). وقال: رواه أحمد بإسناد جيد، وقال الهيثمى (١/ ١٠٢): رجاله رجال الصحيح، وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (١٥٥٥).
(١١) رواه الحاكم (٤/ ٣٦٥) والطبراني (٧/ ٢٨٩) , وصححه الحاكم ووافقه الذهبي, قال ابن حجر في ((الكافي الشاف)) (١٧٨): في إسناده ابن لهيعة, وقال العجلوني في ((كشف الخفاء)) (١/ ٥٢٥): فيه ابن لهيعة, وصححه الألباني في ((صحيح الترغيب)).

<<  <  ج: ص:  >  >>