للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الرابع: قواعد في معرفة أنواع الكفر]

١ - الكفر اصطلاح وحكم شرعي محضٌ مرده إلى الله في كتابه، وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته الصحيحة الثابتة عنه، وليس مبناه على الهوى والتشهي وسوء الظن أو فاسد الفهم.

فمن كفَّرهم الله أو كفَّرهم رسوله صلى الله عليه وسلم عيناً أو جنساً أو وصفاً وجب وتعَّين تكفيرهم، وما لا فلا، وليس لأحد ابتداء تكفيرهم دون

مستند شرعي صحيح وصريح. - فممن كُفِّر في النص الشريف وحياً على سبيل التعيين: إبليس وفرعون.

- وممن كُفِّر جنساً: المشركون واليهود والنصارى والمجوس ونحوهم.

- وممن كُفِّر وصفاً: المستهزئ بالله أو بآياته أو برسوله، والمحكِّم لغير ما أنزل الله، والساحر والكاهن ومدعي علم الغيب ونحوهم.

٢ - أن الكفر كالإيمان له شعب كثيرة، ولما كان الكفر شعباً كثيرة، فإن هذه الشعب متفاوتة، الكفر فيها درجات، فمنها الكفر الأكبر كسب الله ورسوله ودينه، ومنها الكفر الأصغر؛ كسب المسلم وقتله والنياحة، كما أن الكفر الأكبر، شعبه متفاوتة أيضاً تفاوتاً واضحاً، وكل من نوعي الكفر الأكبر والأصغر على مراتب بعضها أشد من بعض.

٣ - أن الكفر نوعان: كفر أكبر مخرج عن الملة، ومحبط للعمل، وموجب للخلود في النار، ولا يُغفر لصاحبه، وينفى عن صاحبه اسم الإيمان أصلاً وكمالاً، كالسحر وسب الله أو رسوله أو دينه أو كتابه أو الإعراض عن دين الله .. !!

وكفر أصغر لا يخرج من الملة ولا يحبط العمل ولا يوجب الخلود في النار، وهو تحت مشيئة الله في مغفرته، ولا ينافي أصل الإيمان، بل ينافي كماله الواجب، وهو حكم الكبائر من الذنوب، كالنياحة على الميت، والطعن في الأنساب، وقتال المسلم .. الخ. - كما أن الشرك والظلم والفسق والنفاق نوعان أكبر وأصغر.

وهذا الأمر مشهور معروف بين العلماء قد تواردوا عليه، ولا أظن ذا علم ينكره، أو يتطرق إليه شك فيه.

ومضى في النقل السابق عن ابن القيم في كتابه (الصلاة) ما يؤيده.

٤ - أنه هناك علاقة بين الكفر الأكبر والشرك الأكبر، وهي علاقة عموم وخصوص، فكل شرك كفر وليس كل كفر شركاً.

فالذبح لغير الله والنذر له والخوف منه خوف عبادة؛ شرك مع الله في تلك العبادات، وهو كفر أكبر مخرج عن الملة، ومناقض للإيمان.

أما سب الله ورسوله ودينه أو الاستخفاف بشرعه أو بالمصحف ونحو ذلك فهو كفر مخرج عن الملة، ولا يعد شركاً في الاصطلاح.

وكذلك الإعراض أو الاستكبار أو الشك والارتياب فهو كفر أكبر ولا يُسمى شركاً. ٥ - أن الكفر ورد في موارده المعتبرة في نصوص الوحيين الشريفين: كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يرد على صورتين:

١ - مُعرَّفاً بالألف واللام، فالمراد به الكفر المعهود أو المستغرق في الكفر، وهو المخرج من الملة.

٢ - ويأتي منكراً غير مُعرَّف لا بالألف واللام، ولا بالإضافة والتخصيص.

فلا يعد بالصورة الثانية كفراً أكبر؛ بل الأصل فيه أنه كفر أصغر لا يخرج من الملة.

٦ - أن أهل السنة والجماعة يعظمون لفظ التكفير جداً، ويجعلونه حقاً لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم فقط، فلا يجوز ولا يسوغ عندهم تكفير أحدٍ إلا من كفره الله أو كفره رسوله. ٧ - أن أهل السنة والجماعة يفرقون بين الكفر المطلق والكفر المُعيَّن بالكفر الأكبر مطلقاً على غير معنيين، ولهم شروط وضوابط وتورَّع وديانة في إيقاعه على المعينين، فإنهم يرون كفر المعين يقع عليه بنفسه، وأهم هذه الشروط في إيقاع الكفر الأكبر عليه بلوغ الحجة عليه، واندفاع الشبهة عنه، وههنا أمر مهم لابد من التفطن له وهو أن ثمة فرقاً بين مراحل ثلاث في الكفر المخرج عن الملة والموجب للردة، وهي: ١ - تعيين أن هذا الجرم من الكفر الأكبر، بالدلائل الشرعية.

٢ - ثم مرحلة تكفير المعيَّن المواقع لهذا الجرم؛ باجتماع الشروط فيه وانتفاء الموانع عنه، وهو مناط بالقضاة الشرعيين أصالة.

٣ - ثم مرحلة ثالثة بعدم القطع له بعد الموت بالخلود في النار، مع إجراء أحكام الكفر عليه في أحكام الدنيا، والله أعلم. مسألة الإيمان لعلي بن عبد العزيز الشبل – ص: ٤٥

<<  <  ج: ص:  >  >>