للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثاني: حكم الخروج على الأئمة]

الأئمة أحوالهم متباينة من شخص لآخر، وواحدهم لا يخرج عن أحد ثلاثة: إما أن يكون عادلاً مقسطًا، وإما أن يكون كافرًا مجرمًا، وإما أن يكون حاله مترددًا بين هذين وهو الفاسق أو الظالم، وهذا قد يكون فسقه وظلمه على نفسه وفي أعماله الخاصة، وقد يتعدى ذلك إلى الرعية إما في أموالهم وأنفسهم أو في دينهم وأعراضهم. ولكل واحد من هؤلاء حكم خاص.

١ - الإمام العادل المقسط:

فهذا يحرم الخروج عليه مطلقًا وباتفاق العلماء، يدل على ذلك الآية والأحاديث الآمرة بالطاعة لأولي الأمر من المسلمين ... ويدل على ذلك أيضًا الآيات والأحاديث الواردة في وجوب الوفاء بالبيعة، وما ورد من النهي والتحذير من نكثها في ذلك ... حتى ولو وجد بعد إبرام العقد والمبايعة لمن هو أفضل وأكمل شروطًا ... بل تجب مناصرته ومقاتلة من ناوأه وبغى عليه إذا لم يفئ إلى أمر الله.

هذا وقد سبق أن بيَّنَّا أن العدالة المطلوبة التي باتصاف الإِمام بها يحرم الخروج عليه كائنًا من كان هذا الخارج لا تقتضي أن يكون معصومًا في أقواله وأفعاله، بل كل بشر عرضة للوقوع في الخطأ وفي بعض الذنوب، لكن إذا كان حريصًا على التحرز من ذلك ويرجع عن خطئه إذا تبين له ذلك ويستغفر ويتوب إلى الله عما بدر منه، ويرجع حقوق الآدميين إلى أصحابها إذا ظهر له الخطأ في تصرفه فيها إذا أمكن ذلك. فهو بهذه الصفات من أئمة العدل الواجب طاعتهم والمحرم الخروج عليهم بكل صور الخروج المختلفة. ولهؤلاء الأئمة نرجو من الله المغفرة لهم فيما يقعون فيه من خطأ ولهم ثواب الاجتهاد الذي بذلوه في سبيل الوصول إلى الحق سواء أصابوه أم خالفوه، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له.

٢ - الخروج على الحاكم الكافر المرتد:

وهذا - أيضًا - متفق على وجوب الخروج عليه ومنابذته بالسيف إذا قُدر على ذلك، أما إذا لم يكن لهم قدرة عليه فعليهم السعي إلى سلوك أقرب طريق للإطاحة به، وتخليص المسلمين من تسلطه عليهم مهما كلَّف ذلك من جهد، يدل على ذلك حديث عُبادة الآنف الذكر (( ... وألا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم من الله فيه برهان)) (١).

قال الحافظ ابن حجر: (وإذا وقع من السلطان الكفر الصريح فلا تجوز طاعته في ذلك، بل تجب مجاهدته لمن قدر عليها كما في الحديث ... يعني حديث عبادة الآنف الذكر) (٢).

وقال في موضع آخر: (إنه - أي الحاكم - ينعزل بالكفر إجماعًا، فيجب على كل مسلم القيام في ذلك، فمن قوي على ذلك فله الثواب، ومن داهن فعليه الإثم، ومن عجز وجبت عليه الهجرة من تلك الأرض) (٣).

٣ - الخروج على الأئمة الظلمة

ذهب غالب أهل السنة والجماعة إلى أنه لا يجوز الخروج على أئمة الظلم والجور بالسيف ما لم يصل بهم ظلمهم وجورهم إلى الكفر البواح، أو ترك الصلاة والدعوة إليها أو قيادة الأمة بغير كتاب الله تعالى كما نصت عليها الأحاديث السابقة في أسباب العزل.


(١) [١٣٤١٩])) رواه البخاري (٧٠٥٥)، ومسلم (١٨٤٠). من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه.
(٢) [١٣٤٢٠])) ((فتح الباري)) (١٣/ ٧).
(٣) [١٣٤٢١])) ((فتح الباري)) (١٣/ ١٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>