للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الثاني: مفتاح الجنة]

واعلم أن الباب لابد له من مفتاح، وأن مفتاح الجنة هي كلمة الإخلاص، وهي شهادة أن لا إله إلا الله, وأن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله.

أخرج الإمام أحمد عن معاذ بن جبل رضي الله عنه مرفوعاً: ((مفتاح الجنة شهادة أن لا إله إلا الله)) (١). قال الحافظ ابن رجب في كتابه (التوحيد): إسناده منقطع وسنده صحيح.

البخاري عن وهب بن منبه: (أنه قيل له: أليس مفتاح الجنة لا إله إلا الله؟ قال: بلى ولكن ليس من مفتاح إلا له أسنان فإن أتيت بمفتاح له أسنان فتح لك وإلا لم يفتح) (٢).

......... وفي المسند عن معاذ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا أدلك على باب من أبواب الجنة؟ قلت: بلى. قال: لا حول ولا قوة إلا بالله)) (٣).

قال في حادي الأرواح: (ولقد جعل الله لكل مطلوب مفتاحاً يفتح به، فجعل مفتاح الصلاة الطهارة، كما قال صلى الله عليه وسلم: ((مفتاح الصلاة الطهور)) (٤)، ومفتاح الحج الإحرام، ومفتاح البر الصدق، ومفتاح الجنة التوحيد، ومفتاح العلم حسن السؤال، وحسن الإصغاء، ومفتاح النصر والظفر الصبر، ومفتاح المزيد الشكر، ومفتاح الولاية المحبة، ومفتاح المحبة الذكر، ومفتاح الفلاح التقوى، ومفتاح التوفيق الرغبة والرهبة، ومفتاح الإجابة الدعاء، ومفتاح الإيمان التفكر فيما دعا الله عباده إلى التفكر فيه، ومفتاح الدخول على الله سلامة القلب، وسلامته له والإخلاص له في الحب والبغض والفعل والترك، ومفتاح حياة القلب تدبر القرآن, والتضرع بالأسحار, وترك الذنوب والأوزار، ومفتاح حصول الرحمة الإحساس في عبادة الخالق والسعي في نفع عبيده، ومفتاح حصول الرزق السعي مع الاستغفار والتقوى، ومفتاح العز طاعة الله ورسوله، ومفتاح الاستعداد للآخرة قصر الأمل، ومفتاح كل خير الرغبة في الله والدار الآخرة، ومفتاح كل شر حب الدنيا وطول الأمل، وهذا باب عظيم من أنفع أبواب العلم لمعرفة مفاتيح الخير والشر، فإن الله جعل للخير وللشر مفتاحاً وباباً يدخل فيه إليه، كما جعل الشرك والكبر والإعراض عما بعث الله به رسوله والغفلة عن ذكره والقيام بحقه مفتاحاً للنار، والخمر مفتاح كل إثم، والغناء مفتاح الزنا، وإطلاق النظرة في الصور مفتاح الطلب، والعشق والكسل والراحة مفتاح الخيبة والحرمان، والمعاصي مفتاح الكفر، والكذب مفتاح النفاق، والشح والحرص مفتاح البخل، وقطيعة الرحم وأخذ المال من غير حله والإعراض عما جاء به الرسول مفتاح كل بدعة وضلالة, فسبحان مسبب الأسباب والله الموفق) وإلى المفتاح أشار في النونية بقوله (٥):

هذا وفتح الباب ليس بممكن ... إلا بمفتاح على أسنان

مفتاحه بشهادة الإخلاص والتوحيد ... تلك شهادة الإيمان

أسنانه الأعمال وهي شرائع الإسلام ... والمفتاح بالأسنان

لا تلغين هذا المثال فكم به ... من حل إشكال لذي العرفان

@ البحور الزاخرة في علوم الآخرة لمحمد بن أحمد السفاريني – بتصرف – ٣/ ٩٦٢


(١) رواه أحمد (٥/ ٢٤٢) (٢٢١٥٥). بلفظ: ((مفاتيح)) بدلاً من: ((مفتاح)). قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (١/ ٢١): فيه انقطاع بين شهر ومعاذ وإسماعيل بن عياش روايته عن أهل الحجاز ضعيفة وهذا منها، وقال في (١٠/ ٨٥): رواه أحمد ورجاله وثقوا إلا أن شهرا لم يسمع من معاذ، وقال محمد جار الله الصعدي في ((النوافح العطرة)) (٣٣٥): رجاله موثقون.
(٢) رواه البخاري معلقاً قبل حديث (١٢٣٧)، ووصله أبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (٤/ ٦٦). وانظر: ((تغليق التعليق)) لابن حجر (٢/ ٤٥٣ - ٤٥٤).
(٣) رواه أحمد (٥/ ٢٢٨) (٢٢٠٤٩)، ورواه النسائي (٦/ ٩٧)، والطبراني (٢٠/ ١٧٤) (١٧١٢٨) بلفظ: ((ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة))، والمنذري في ((الترغيب والترهيب)) (٢/ ٣٦٦). وقال: إسناده صحيح إن شاء الله، وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (١٠/ ١٠٠): رواه أحمد والطبراني ... رجالهما رجال الصحيح غير عطاء بن السائب وقد حدث عنه حماد بن سلمة قبل الاختلاط، وقال الألباني في ((صحيح الترغيب والترهيب)) (١٥٨١): صحيح لغيره.
(٤) رواه أبو داود (٦١)، والترمذي (٣)، وأحمد (١/ ١٢٣) (١٠٠٦). من حديث علي رضي الله عنه. والحديث سكت عنه أبو داود، وقال الترمذي: أصح شيء في هذا الباب وأحسن، وحسنه البغوي في ((شرح السنة)) (٢/ ١٨٤)، وقال ابن العربي في (عارضة الأحوذي)) (١/ ٣٦): رواه أبو داود بسند صحيح.
(٥) ((شرح ابن عيسى)) (٢/ ٤٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>