للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أولا: طريقة توليه الخلافة]

لقد تمت بيعة علي رضي الله عنه بالخلافة بطريقة الاختيار وذلك بعد أن استشهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه على أيدي الخارجين المارقين الشذاذ الذين جاءوا من الآفاق ومن أمصار مختلفة، وقبائل متباينة لا سابقة لهم، ولا أثر خير في الدين فبعد أن قتلوه رضي الله عنه ظلماً وعدواناً (يوم الجمعة لثماني عشرة ليلة مضت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين) (١). قام كل من بقي بالمدينة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بمبايعة علي رضي الله عنه بالخلافة وذلك لأنه لم يكن أحد أفضل منه على الإطلاق بعد عثمان رضي الله عنه، ولذلك لم يدع الإمامة لنفسه أحد بعد عثمان رضي الله عنه ولم يكن أبو السبطين رضي الله عنه حريصاً عليها، ولذلك لم يقبلها إلا بعد إلحاح شديد ممن بقي من الصحابة بالمدينة وخوفاً من ازدياد الفتن وانتشارها ومع ذلك لم يسلم من معرة تلك الفتن كموقعة الجمل وصفين التي أوقد نارها وأنشبها الحاقدون على الإسلام كابن سبأ وأتباعه الذين استخفهم فأطاعوه لفسقهم ولزيغ قلوبهم عن الحق والهدى، وقد روى الكيفية التي تم بها اختيار علي رضي الله عنه للخلافة بعض أهل العلم.

فقد روى أبو بكر الخلال بإسناده إلى محمد بن الحنفية قال: (كنت مع علي رحمه الله وعثمان محصور قال: فأتاه رجل فقال: إن أمير المؤمنين مقتول الساعة قال: فقام علي رحمه الله: قال محمد: فأخذت بوسطه تخوفاً عليه فقال: خل لا أم لك قال: فأتى علي الدار وقد قتل الرجل رحمه الله فأتى داره فدخلها فأغلق بابه، فأتاه الناس فضربوا عليه فدخلوا عليه فقالوا: إن هذا قد قتل، ولابد للناس من خليفة ولا نعلم أحداً أحق بها منك فقال لهم علي: لا تريدوني فإني لكم وزير خير مني لكم أمير فقالوا: لا والله لا نعلم أحداً أحق بها منك قال: فإن أبيتم علي فإن بيعتي لا تكون سراً، ولكن أخرج إلى المسجد فبايعه الناس) (٢).

وفي رواية أخرى عن سالم بن أبي الجعد عن محمد بن الحنفية: (فأتاه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن هذا الرجل قد قتل ولابد للناس من إمام ولا نجد أحداً أحق بهذا منك أقدم مشاهد، ولا أقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال علي: لا تفعلوا فإني وزير خير مني أمير، فقالوا: لا والله ما نحن بفاعلين حتى نبايعك قال: ففي المسجد فإنه لا ينبغي بيعتي أن تكون خفياً ولا تكون إلا عن رضا من المسلمين قال: فقال سالم بن أبي الجعد: فقال عبد الله بن عباس فلقد كرهت أن يأتي المسجد كراهية أن يشغب عليه وأبى هو إلا المسجد فلما دخل المسجد جاء المهاجرون والأنصار فبايعوا وبايع الناس) (٣).


(١) ((الطبقات)) لابن سعد (٣/ ٣١).
(٢) رواه الخلال في ((السنة)) (٢/ ٤١٥).
(٣) رواه الخلال في ((السنة)) (٢/ ٤١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>