للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثامن: الاستقامة على منهج سواء في السراء والضراء]

العباد بما فيهم من قصور وضعف لا يستقيمون على منهج سواء، قال تعالى: إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وإذا مسه الخير منوعاً إِلا الْمُصَلِّينَ [المعارج: ١٩ - ٢٢]. والإيمان بالقدر يجعل الإنسان يمضي في حياته على منهج سواء، لا تبطره النعمة، ولا تيئسه المصيبة، فهو يعلم أن كل ما أصابه من نعم وحسنات من الله، لا بذكائه وحسن تدبيره وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ [النحل: ٥٣]. ولا يكون حاله حال قارون الذي بغى على قومه، واستطال عليهم بما أعطاه الله من كنوز وأموال: إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ [القصص: ٧٦ - ٧٨]. فإذا أصاب العبد الضراء والبلاء علم أن هذا بتقدير الله ابتلاء منه، فلا يجزع ولا ييأس، بل يحتسب ويصبر، فيكسب هذا الإيمان في قلب العبد المؤمن الرضا والطمأنينة مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ [الحديد: ٢٢ - ٢٣]. وقد امتدح الله عباده: الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنا لِلّهِ وَإِنا إِلَيْهِ رَاجِعونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة: ١٥٦ - ١٥٧]. الإيمان بالقضاء والقدر لعمر بن سليمان الأشقر - ص١١٠

والإنسان قد خلق محباً للحياة، راغباً في متاعها، حريصاً على نفع نفسه, كارهاً للآلام والمصائب التي تحل به، وهو أيضاً يحب الخير لنفسه ويمنعه غيره، ويكره الشر لنفسه ويجزع منه كما قال تعالى: إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا [نوح: ١٩ - ٢١].

فإن أصابه الخير بطر واغتر به, وإن أصابه الشر والمصيبة جزع, وحزن, ولا يعصم الإنسان من البطر والطغيان إذا أصابه الخير، والحزن إذا أصابه الشر إلا الإيمان بالقدر، وأن ما وقع فقد جرت به المقادير, وسبق به علم الله, يقول الإمام الشوكاني: (ومن فوائد رسوخ الإيمان بهذه الخصلة أي: الإيمان بالقدر أنه يعلم أنه ما وصل إليه من الخير على أي صفة كان، وبيد من اتفق فهو منه عز وجل، فيحصل له بذلك من الحبور والسرور ما لا يقدر قدره، لما له سبحانه من العصمة التي تضيق أذهان العباد عن تصورها، وتقصر عقولهم عن إدراك أدنى منازلها ... وما أحسن ما قال الحربي – رحمه الله -: من لم يؤمن بالقدر لم يتهن بعيشه) (١) وهذا صحيح فما تعاظمت القلوب بالمصائب, وضاقت بها الأنفس، وحرجت بها الصدور إلا من ضعف الإيمان. القضاء والقدر لعبدالرحمن بن صالح المحمود- ص ٢٩٦


(١) ((قطر الولي على حديث الولي للشوكاني)) (ص: ٣٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>