للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الرابع: اختصام الملأ الأعلى]

والملائكة تتحاور فيما بينها فيما خفي عليها من وحي ربها، ففي سنن الترمذي، ومسند أحمد عن ابن عباس: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((أتاني الليلة ربي - تبارك وتعالى - في أحسن صورة - قال: أحسبه قال: في المنام - فقال: يا محمد، هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قال: قلت: لا. قال: فوضع يده بين كتفيّ، حتى وجدت بردها بين ثدييّ، فعلمت ما في السموات، وما في الأرض.

فقال: يا محمد! هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: نعم، في الكفارات والدرجات، والكفارات: المكث في المساجد بعد الصلاة، والمشي على الأقدام إلى الجماعات، وإسباغ الوضوء في المكاره، والدرجات: إفشاء السلام، وإطعام الطعام، والصلاة بالليل والناس نيام.

قال: صدقت، ومن فعل ذلك عاش بخير، ومات بخير، وكان من خطيئته كيوم ولدته أمه.

وقال: يا محمد، إذا صليت فقل: اللهم إني أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحبّ المساكين، وأن تغفر لي، وترحمني، وتتوب عليّ، وإذا أردت بعبادك فتنة، فاقبضني إليك غير مفتون)) (١).

قال ابن كثير في هذا الحديث بعد ذكره له: (هذا حديث المنام المشهور، ومن جعله يقظة فقد غلط، وهو في السنن من طرق، وهذا الحديث رواه الترمذي من حديث جهضم بن عبد الله اليمامي به.

وقال الحسن: صحيح، وليس هذا الاختصام هو الاختصام المذكور في القرآن في قوله: مَا كَانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلإٍ الأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ إِن يُوحَى إِلَيَّ إِلاَّ أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ [ص: ٦٩ - ٧٠].

فإن الاختصام المذكور في الحديث، قد فسره الرسول صلى الله عليه وسلم.

والاختصام المذكور في القرآن فسرته الآيات بعده: إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِينٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلاَّ إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ [ص: ٧١ - ٧٤].

فالاختصام المذكور في القرآن كان في شأن آدم - عليه السلام - وامتناع إبليس من السجود له، ومحاجته ربّه في تفضيله عليه) (٢).

منظمون في كل شؤونهم:

الملائكة منظمون في عبادتهم، وقد حثنا الرسول صلى الله عليه وسلم على الاقتداء بهم في ذلك فقال: ((ألا تصفّون كما تصفّ الملائكة عند ربها؟. قالوا: يا رسول الله، وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: يتمون الصفوف، ويتراصون في الصف)) (٣).

وفي يوم القيامة يأتون صفوفاً منتظمة: وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر: ٢٢]، ويقفون صفوفاً بين يدي الله تعالى: يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا [النبأ: ٣٨]، والروح: جبريل.

وانظر إلى دقة تنفيذهم للأوامر، ففي صحيح مسلم، ومسند أحمد عن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((آتي باب الجنة فأستفتح، فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول: محمد، فيقول: بك أمرت لا أفتح لأحد قبلك)) (٤) .. عالم الملائكة الأبرار لعمر الأشقر – ص: ٢٣


(١) رواه الترمذي (٣٢٣٣، ٣٢٣٤)، وأحمد (١/ ٣٦٨) (٣٤٨٤)، وأبو يعلى (٤/ ٤٧٥)، وابن خزيمة في ((التوحيد)) (٢٩٣) بلفظ: ((ثديي)) بدلاً من ((صدري)). من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه. وقال أحمد شاكر في ((مسند أحمد)) (٥/ ١٦٢): إسناده صحيح. وقال الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)): صحيح.
(٢) ((تفسير ابن كثير)) (٧/ ٨١).
(٣) رواه مسلم (٤٣٠). من حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه.
(٤) رواه مسلم (١٩٧)، وأحمد (٣/ ١٣٦) (١٢٤٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>