[المبحث الثاني: الوجه الثاني إنكار الاختيار في أفعال العباد نقص في العقل]
الذين يزعمون أن الإنسان ليس له إرادة يفعل بها ألغوا عقولهم، فضلوا وأضلوا، وإلا فإننا نعلم من أنفسنا أن حركتنا ليست كحركة الجماد، الذي لا يملك شيئاً لذاته في تحركه وسكونه. بل إننا نفرق بين الحركات غير الإرادية التي تجري في أجسادنا وبين الحركات الإرادية، فحركة القلب، وحركة الرئتين، وجريان الدم في دورته في عروق الإنسان، وآلاف العمليات المعقدة التي تجري في أجسادنا - من غير أن نعرفها ونعلم بها - ليس لنا فيها خيار، بل هي حركات اضطرارية ليس للإنسان إرادة في إيجادها وتحقيقها، ومثل ذلك حركة المرعوش الذي لا يملك إيقاف اهتزاز يده. أما أكل الإنسان وشربه وركوبه، وبيعه وشراؤه، وقعوده وقيامه، وزواجه وطلاقه، ونحو ذلك فهو يتم بإرادة وقدرة ومشيئة، والذين يسلبون الإنسان هذه القدرة ضلت عقولهم، واختلفت عندهم الموازين. والقرآن مليء بإسناد الأفعال إلى من قاموا بها كقوله تعالى: وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى (٢٠) سورة [يس:٢٠] فَلَما أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ [الصافات:١٠٣] فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ [القصص:١٥] فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ [القصص:٧٩] والنصوص في هذا كثيرة يصعب إحصاؤها التي تسند الأفعال إلى من قاموا بها. الإيمان بالقضاء والقدر لعمر بن سليمان الأشقر - ص٨١