للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثالثاً: أسباب الخلاف في حكم السحر

وسبب ذلك الاختلاف: كثرة أنواع السحر، واختلاف صوره .. حتى جعله الفخر الرازي ثمانية أقسام (١)، وبعضهم جعله أكثر من ذلك (٢)

إضافة إلى توسع بعض العلماء في إطلاق السحر على كثير من الأحوال استناداً للمعنى اللغوي، فبعضهم يطلق السحر على النميمة، والكلام البليغ، وكذا الحركات القائمة على خفة اليد ومهارة الأداء.

وأمر ثالث أوجب هذا الاختلاف، وهو تنوع السحر من ناحية حقيقته أو تخييله، ومن ثم فبعض العلماء يقول: إن السحر حقيقة، ومنهم من يقول إنه تخييل، والصحيح في ذلك: - أن منه ما هو حقيقة، فيفرق بين المرء وزوجه، ولذا أمر الله تعالى بالاستعاذة به سبحانه من السواحر، فدل ذلك على أن للسحر حقيقة، وبعض السحر تخييل لا حقيقة له. (٣)

وقد نبه الإمام القرافي رحمه الله إلى ضرورة تحديد معنى السحر وتمييزه عن غيره فقال: (أطلق المالكية وجماعة، الكفر على الساحر، وأن السحر كفر، ولا شك أن هذا قريب من حيث الجملة، غير أنه عند الفتيا في جزئيات الوقائع يقع فيهم الغلط العظيم المودي إلى هلاك المفتي، والسبب في ذلك أنه إذا قيل للفقيه ما هو السحر وما حقيقته حتى يقضي بوجوده على كفر فاعليه يعسر عليه ذلك جداً، فإنك إذا قلت له السحر والرقى والخواص والسيميا والهيميا وقوى النفوس شيء واحد، وكلها سحر، أو بعض هذه الأمور سحر، وبعضها ليس بسحر، فإن قال: الكل سحر، يلزمه أن سورة الفاتحة سحر؛ لأنها رقية إجماعاً، وإن قال: لكل واحدة من هذه خاصية تختص بها، فيقال: بين لنا خصوص كل واحد منها، وما به تمتاز، وهذا لا يكاد يعرفه أحد من المتعرضين للفتيا. وأنا طول عمري ما رأيت من يفرق بين هذه الأمور، فكيف يفتي أحد بعد هذا بكفر شخص معين أو بمباشرة شيء معين بناء على أن ذلك سحر، وهو لا يعرف السحر ما هو) (٤).

إلى أن قال: (إن الكتب الموضوعة في السحر، وضع فيها هذا الاسم (السحر) على ما هو كذلك كفر ومحرم، وعلى ما ليس كذلك، وكذلك السحرة يطلق لفظ السحر على القسمين، فلابد من التعرض لبيان ذلك) (٥).

ثم قال أيضاً: (وللسحر فصول كثيرة في كتبهم يقطع من قبل الشرع بأنها ليست معاصي ولا كفراً، كما أن لهم ما يقطع بأنه كفر فيجب حينئذ التفصيل كما قال الشافعي رضي الله عنه، أما الإطلاق بأن كل ما يسمى سحراً كفر فصعب جداً) (٦).

وصدق رحمه الله تعالى، فالحكم على الشيء فرع عن تصوره، فلابد للناظر في هذه المسألة أن يفصل ويميز ويفرق بين السحر الذي يعد كفراً، وما ليس كذلك ... نواقض الإيمان القولية والعملية لعبد العزيز بن محمد بن علي العبد اللطيف- بتصرف - ص ٥٠٢


(١) [١٠٧٥٩])) انظر ((تفسير الرازي)) (٣/ ٢٢٨ – ٢٣٦)، وانظر ((المفردات)) للراغب (ص ٣٣١)
(٢) [١٠٧٦٠])) انظر ((الفروق)) للقرافي (٤/ ١٣٧ – ١٤٩)، و ((مفتاح دار السعادة)) لطائش كبري زاده (١/ ٣٤٠ – ٣٤٦)، و ((أضواء البيان)) للشنقيطي (٤/ ٤٥٢ –٤٥٥)، وكتاب ((السحر)) للحمد (ص ١٨ - ٣٦).
(٣) [١٠٧٦١])) انظر تفصيل هذه المسألة في كتاب ((السحر)) لأحمد الحمد (ص ٣٧ – ٨٨).
(٤) [١٠٧٦٢])) ((الفروق)) للقرافي (٤/ ١٣٥).
(٥) [١٠٧٦٣])) ((الفروق)) للقرافي (٤/ ١٣٧).
(٦) [١٠٧٦٤])) ((الفروق)) للقرافي (٤/ ١٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>