للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وصح) نقلاً (عن حفصة) بنت عمر بن الخطاب العدوية أم المؤمنين رضي الله عنها (عند مالك) بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو بن الحارث الأصبحي أبي عبد الله المدني أحد الأعلام في الإسلام وإمام دار الهجرة، ولد سنة ثلاث وتسعين وحمل به ثلاث سنين، وتوفي سنة تسع وسبعين ومائة ودفن بالبقيع رحمه الله تعالى ورضي عنه (ما) أي الذي (فيه أقوى) دليل (مرشد للسالك) وهو ما رواه في موطأه في باب ما جاء في الغيلة والسحر من كتاب العقول: عن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة أنه بلغه (أن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قتلت جارية لها سحرتها، وقد كانت دبرتها فأمرت بها فقتلت) (١)، قال مالك: (الساحر الذي يعمل السحر، ولم يعمل ذلك له غيره، هو مثل الذي قال الله تعالى في كتابه: وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ فأرى أن يقتل ذلك إذا عمل ذلك هو نفسه) اهـ. قال ابن كثير رحمه الله: (وقد روي من طرق متعددة أن الوليد بن عقبة كان عنده ساحر يلعب بين يديه فكان يضرب رأس الرجل ثم يصيح به فيرد إليه رأسه، فقال الناس: سبحان الله، يحيي الموتى! ورآه رجل من صالح المهاجرين فلما كان الغد جاء مشتملاً على سيفه وذهب يلعب لعبه ذلك فاخترط الرجل سيفه فضرب عنق الساحر وقال: إن كان صادقاً فليحي نفسه، وتلا قوله تعالى: أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ [الأنبياء: ٣] فغضب الوليد إذ لم يستأذنه في ذلك فسجنه ثم أطلقه والله أعلم). وقال الإمام أبو بكر الخلال: أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي أخبرنا يحيى بن سعيد حدثني أبو إسحاق عن حارثة فقال: (كان عند بعض الأمراء رجل يلعب فجاء جندب مشتملاً على سيفه فقتله، قال أراه كان ساحراً). وحمل الشافعي رحمه الله تعالى قصة عمر وحفصة على سحر يكون شركاً. والله أعلم. (٢) ...

قال ابن هبيرة: وهل يقتل بمجرد فعله واستعماله؟ فقال مالك وأحمد: نعم، وقال الشافعي وأبو حنيفة: لا، فأما إن قُتل بسحره إنسان فإنه يقتل عند مالك والشافعي وأحمد، وقال أبو حنيفة: لا يقتل حتى يتكرر منه ذلك أو يقر بذلك في حق شخص معين، وإذا فإنه يقتل حداً عندهم، إلا الشافعي فإنه قال يقتل والحالة هذه قصاصاً. قال وهل إذا تاب الساحر تقبل توبته؟ فقال مالك وأبو حنيفة وأحمد في المشهور عنه: لا تقبل. وقال الشافعي وأحمد في الرواية: تقبل، وأما ساحر أهل الكتاب فعند أبي حنيفة إنه يقتل كما يقتل الساحر إذا كان مسلماً، وقال مالك وأحمد والشافعي: لا يقتل يعفى لقصة لبيد بن الأعصم. واختلفوا في المسلمة الساحرة فعند أبي حنيفة إنها لا تقتل ولكن تحبس، وقال الثلاثة: حكمها حكم الرجل والله أعلم). وقال أبو بكر الخلال أخبرنا أبو بكر المروزي قال قرأ علي أبي عبد الله يعني أحمد بن حنبل: عمر بن هارون أخبرنا يونس عن الزهري قال يقتل ساحر المسلمين ولا يقتل ساحر المشركين لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سحرته امرأة من اليهود فلم يقتلها. وقد نقل القرطبي عن مالك رحمه الله تعالى أنه قال في الذمي: يقتل إن قتل سحره. وحكى ابن خويز منداد عن مالك روايتين في الذمي إذا سحر أحداً. الأولى أنه يستتاب فإن أسلم وإلا قتل. والثانية أنه يقتل وإن أسلم. وأما الساحر المسلم فإن تضمن سحره كفراً كفر عند الأئمة الأربعة وغيرهم لقوله تعالى: وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ [البقرة: ١٠٢] , لكن قال مالك: إذا ظهر عليه لم تقبل توبته لأنه كالزنديق، فإن تاب قبل أن يظهر عليه وجاءنا تائباً قبلناه، فإن قتل بسحره قتل، قال الشافعي: فإن قال لم أتعمد القتل فهو مخطئ عليه الدية. معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول لحافظ بن أحمد الحكمي – بتصرف – ص ٦٨١


(١) [١٠٧٥٧])) رواه مالك في ((الموطأ)) (٢/ ٨٧١) , والطبراني (٢٣/ ١٨٧) , والشافعي في ((المسند)) (١/ ٣٨٣) , وابن أبي شيبة في ((المصنف)) (٥/ ٤٥٣) , والحديث صححه ابن القيم في ((زاد المعاد)) (٥/ ٥٧) , وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (٦/ ٢٨٣): [هو] من رواية إسماعيل بن عياش عن المدنيين وهي ضعيفة وبقية رجاله ثقات.
(٢) [١٠٧٥٨])) انظر ((تفسير ابن كثير)) (١/ ٣٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>